مقالات

خطط استخلاف الأعمال: هل هناك إستراتيجية موحدّة تلائم الجميع؟

بقلم فيصل بهانا – مدير “جيرسي فاينانس” في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا والهند

 

تتميز الشركات العائلية برؤيتها المتواصلة على مدى أجيال متعدّدة. والأهم من ذلك، أنّ القيادة الفعّالة لهذه الشركات تتطلب إيصال هذه الرؤية ونشرها بين الأجيال، وخصوصاً بين أفراد العائلة. ولذلك، تواجه العديد من الشركات العائلية صعوبات في وضع خططها المستقبلية للاستخلاف ونقل الثروة، ما يسلط الضوء على ضرورة التوجيه المنظّم والدعم والتعاون في هذا الإطار. ومع أن القواعد الإستراتيجية العامة قادرة على توفير التوجيه اللازم بهذا الشأن، إلا أن الفروقات المميزة بين الشركات العائلية والتحديات التي تواجه كلاً منها تستدعي إيجاد حلول مخصّصة لكلّ حالة عبر المستشارين الموثوقين، وذلك لتوحيد ثقافة العائلة وإرثها ضمن إطار قوي للاستخلاف والحوكمة في المملكة العربية السعودية؛ حيث تشكل الشركات العائلية نسبة 63% من إجمالي شركات القطاع الخاص، وتقدم مساهمات كبيرة في الاقتصاد. وعند المقارنة مع الدول الأخرى خارج المنطقة، تتميز الشركات العائلية في المملكة بأن الغالبية العظمى منها تعدّ فتيّة إلى حدّ ما، باعتبارها قد تأسست في عقد الستينيات، ولم تشهد المرور بعد في مرحلة الاستخلاف بين الجيل المؤسس وبين الأبناء.

ويعتبر التخطيط للاستخلاف في وقتنا الحاضر عنصراً إستراتيجياً أساسياً لدى الشركات العائلية، إلا أنّ ذلك التخطيط يتّصف غالباً بالغموض، وبتعقيدات العلاقات والمؤثرات المعنوية. وقد يؤدي التردد أو التأخير في التخطيط للاستخلاف، إلى نشوء صراعات محتملة، وإعاقة نموّ الأعمال والاستدامة على المدى البعيد. ويزداد التحدّي المتمثل في إيجاد حلّ واحد للاستخلاف يلائم الجميع ضمن فئة الشركات العائلية التي تشهد مراحل مختلفة من النموّ، وتمرّ بظروف وأوضاع متغيرة ضمن قطاعات أعمالها.

ويُعدّ اتباع نهج مخصّص لتخطيط الاستخلاف عنصراً فائق الأهمية، نظراً للخصائص الفريدة التي تميّز كلّ شركة عائلية عن غيرها. ويمكن للهيئات الرسمية الخارجية تقديم إرشادات توجيهية منظّمة توفر إطاراً واضحاً تتكيف معه الشركات العائلية بشأن الاستخلاف، إلا أن التنفيذ ينبغي أن يتّسم بالمرونة الكافية لاستيعاب الظروف الفريدة في كلّ حالة. ويمكن لاتباع نهج مدروس أن يتيح القدرة على تحويل خطط الاستخلاف إلى ميزة تنافسية هائلة، مع مراعاة المفاهيم والقيم العائلية، والحفاظ على التماسك ووحدة الأهداف.

وفي هذا الإطار، أظهرت نتائج تقريرنا البحثي الرائد، والصادر تحت عنوان “صياغة المستقبل: وضع خارطة لاستعداد الجيل القادم وتفعيل دوره وتطلعاته في الشركات العائلية في المملكة العربية السعودية”، أن المشمولين بالبحث يمثلون، على الأغلب، شركات قابضة تشمل مجموعة واسعة من الشركات التابعة ضمن قطاعات متنوعة. وقد يكون هؤلاء المشاركون من الجيل الثالث في إحدى الشركات العائلية، أو من الجيل الرابع  في شركة أخرى، وقد يكونون أيضاً روّاد أعمال لمشاريع خاصة يقومون فيها بمهام المالك المدير.

وعلى هذا الأساس، يتطلب التخطيط الناجح للاستخلاف اتباع نهج مدروس يتضمن الإستراتيجيات الأساسية؛ حيث يعتبر التواصل المفتوح عنصراً هاماً لتعزيز التفاهم بين أفراد العائلة، ومعالجة النزاعات المحتملة. وبالإضافة إلى ذلك، يساهم تطوير مواهب الجيل الجديد من خلال برامج التعليم والإرشاد المنظّمة، في تأهيلهم لتولي أدوار قيادية في المستقبل. ومع حصولهم على الخبرة اللازمة خارج بيئة شركاتهم، يمكنهم اكتساب المهارات الأساسية وتوسيع رؤيتهم وتصوراتهم للأعمال. كما يتيح البحث عن خبرات خارجية من المستشارين المتخصصين فرصة للحصول على رؤى موضوعية وتوجيهات للتغلب على تعقيدات عملية الاستخلاف. ومع اعتماد نهج التعددية في القيادة، والتعاون والمشاركة في اتخاذ القرار، يمكن تعزيز نقاط القوّة المتنوعة لدى الأفراد ضمن العائلة.

وفي ظلّ النموّ الذي تشهده الشركات العائلية، أصبح إنشاء هيكل حوكمة للاستخلاف أمراً بالغ الأهمية لضمان الانتقال السلس؛ حيث يركز على تحديد الأدوار والمسؤوليات ومعايير التقييم الواضحة للخلفاء المحتملين، إلى جانب وضع أصول ومبادئ لحلّ النزاعات. كما تضمن المراجعة والتعديلات المستمرة لخطة الاستخلاف ملاءمتها للظروف المتغيرة. وأخيراً، يوفر توثيق خطة الاستخلاف ومصادقتها رسمياً مزيداً من الوضوح والشفافية والاستعداد للطوارئ، ويمكن الحدّ من الغموض وسوء الفهم من خلال التحديد الواضح للجدول الزمني والأدوار والمسؤوليات المنوطة بكل فرد من أفراد العائلة، إضافة إلى تفصيل الشروط والأحكام والتحضير لحالات الطوارئ غير المتوقعة.

وختاماً، يتطلّب تخطيط الاستخلاف في الشركات العائلية وضع إستراتيجية مخصّصة، إلى جانب التعاون الوثيق مع المستشارين الموثوقين، والتعرف على العقبات والأهداف المميزة لكّل شركة منها. ومع أن المعايير والتنظيمات الخارجية توفر مخططاً عاماً أولياً للاستخلاف، إلا أن المرونة في تكييف تلك المعايير والتنظيمات بما يتناسب مع كلّ حالة فردية يعتبر أمراً بالغ الأهمية لمعالجة مواقف محددة. كما أن اعتماد التنوّع الأصيل في الشركات العائلية، وتقدير وجهات النظر المختلفة للخبراء داخل العائلة وخارجها يساهم في تسهيل الانتقال السلس، وتمكين المحافظة على الإرث العائلي مزدهراً على مدى الأجيال القادمة.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى