مقالات

الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات تتصدر مشهد الاستثمار الآن

ديفيد سميث(*)

 أبرزت جائحة كوفيد-19 أهمية الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ESG، وزادت من توقعات توجيه الاستثمارات لهذه المجالات حول العالم. ورغم أن هذه المجالات كانت تحظى باهتمام لدى مديري الأصول في أوروبا، فإن تزايد القلق بشأن القضايا المتعلقة بالحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات، يزداد وينتشر بشكل أكبر حول العالم، بما في ذلك في دول مجلس التعاون الخليجي، حيث يتماشى هذا التوجه مع العديد من الرؤى الحكومية التي تولي هذه الأبعاد أهمية قصوى.

ولوحظ وجود ارتفاع في الطلب على الشفافية في الإفصاح عن البيانات والمعلومات، مما بات يدفع مديري الأصول لدمج تحليل الحوكمة ESG بشكل أكبر في أعمالهم وفي بناء المحافظ الاستثمارية. وفي الوقت نفسه، نتوقع أن تدفع جائحة كوڤيد-19 الاستثمار إلى اعتماد مبادئ الجودة عالميا، خاصة الشركات صاحبة الميزانيات الكبيرة والقوية والمعروفة بقواعد حوكمة جيدة، وهو ما سيكون محفزا للاستثمار في أنظمة الحوكمة ESG.

وتوجد قاعدة مفادها أن الشركات الكبيرة تستطيع الحفاظ على نمو أرباحها حتى عندما تعصف الرياح بالاقتصاد على المستوى الكلي، والتي تتضمن ظهور الأوبئة العالمية.  فالالتزام بمعايير جودة الأداء هو باستمرار سبيل المستثمرين وملاك الأسهم للتخفيف من المخاطر أيا كانت، كما أن هناك الكثير من الأبحاث التي تشير إلى أن الشركات ذات معايير الحوكمة ESG عالية الجودة تتفوق على المدى الطويل.

بحيث تعني زيادة اعتماد الحوكمة ESG في أداء الشركة تقوية التعاون بين الشركات والمستثمرين، سواء كان هذا مدفوعًا بتوقعات المجتمع أو إدراك أن هذه المجالات يمكن أن تضيف إلى العوائد، وينعكس ذلك إيجابيا على كل من استدامة المحافظ الاستثمارية واستدامة كوكب الأرض على السواء.

وإذ تتزايد احتمالات تغير المناخ بشكل أكبر في المستقبل، سيصبح من الأهمية بمكان بالنسبة للشركات والمستثمرين المؤسسيين وشركات إدارة الأصول الإجابة على سؤالين رئيسيين: 1) كيف يؤثر عملي أو استثماري على البيئة؛ و2) كيف تؤثر البيئة على عملي أو استثماري، ومن المرجح أن يسرع هذا من الاستثمارات في الطاقة المتجددة، ويزيد تركيز المستثمرين على مرونة البنية التحتية – الطرق والسكك الحديدية والموانئ والمطارات – مما يدفع إلى تغيير تكوين المحافظ الاستثمارية.

وقد تطور الاهتمام بالاستثمار في مجالات الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ESG في السنوات الأخيرة، لذا يتبنى مديرو الأصول والمستثمرون مناهج مختلفة في الحصول على بيانات ESG الخاصة بهم؛ ابتداءً من التعاقد مع موفري الجهات الخارجية، إلى دمج متخصصي ESG إلى فرقهم. وغالبا ما يلجأ مديرو الأصول إلى الخيار الأخير بسبب ما يمكن أن يحققه من حفاظ على النجاح المستمر لشركات المحافظ.

وفيما يتعلق بالبيانات، نتوقع أن نرى تحسنًا ملموسًا في جودتها واتساقها، حيث تعزز البورصات والهيئات التنظيمية متطلبات الإفصاح عن البيانات. ويجبر ذلك الشركات على تحسين نطاق ودقة المعلومات التي تقدمها، والانتقال من التركيز على البيانات الكمية إلى النوعية. كما سيرغب المستثمرون في فهم وتطبيق مبادئ استدامة استراتيجيات الشركات والتحسينات التي يمكن أن تقدمها هذه الشركات لتعزيز قيمتها.

صحيح أنه لازالت بعض الشركات تنظر إلى حوكمة ESG كنشاط دعاية أكثر من كونه ضرورة تجارية الآن، إلا أن هذا الوضع سيتغير عندما يضطرون لعرض عوامل مثل الكشف عن مرونة الشركة تجاه تغير المناخ كضرورية لاستدامة أعمالهم. وستحتاج فرق العمل الإدارية المختلفة إلى أن تثبت أمام مجالس إدارتها ومستثمريها كيف ستبقى نماذج أعمالهم صالحة في غضون 10 سنوات. وللقيام بذلك، سيحتاجون إلى تحديد سياسات المخاطر المختلفة الخاصة بمجالات الحوكمة ESG التي يمكن أن تسبب اضطرابًا بداية من اختراق البيانات إلى مشاكل ومخاطر سلسلة التوريد، وصولاً إلى السخط بين الموظفين والذي يدفع إلى فقدان الموظفين الأساسيين من ذوي الخبرة.

 بتعبير أخر ستقوم قواعد الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات بتغيير قواعد لعبة الاستثمار ليس فقط كوسيلة ليس فقط لإدارة المخاطر، ولكن أيضًا لزيادة العوائد، فيتعين على الشركات عرض كيفية حماية بيانات العملاء، وإعطاء الأولوية للاستدامة البيئية، وتعزيز ثقافة الموظفين الجيدة والحفاظ على المعايير بين سلاسل التوريد الخاصة بهم، فكل هذا سيتردد صداه مع المستهلكين، وبالتالي يحقق ربحية ويصب في مصلحة المستثمر.

أخيرًا، نتوقع أن تبدأ المؤسسات في تحديد قواعد الحوكمة البيئية والاجتماعية وحوكمة الشركات ESG التي يجب على مؤسسات التمويل الالتزام بها في إدارة المحافظ الاستثمارية خلال السنوات القليلة القادمة. وإلى جانب العناية بمتطلبات الأداء التقليدية، قد يتطلب الأمر اتفاق شركاء الاستثمار على تخصيص ميزانية تستجيب لهذه القواعد والعمل في إطارها، أو إعادة النظر في إدارة مجموعة من الشركات التي تحقق الحد الأدنى من درجات ESG، أو بناء محفظة ذات آثار بيئية أو مجتمعية محددة. وبينما تجري كل هذه الحوارات في قطاعات واسعة من منطقة الخليج وأوروبا، سوف تشهد الأعوام القادمة اتساع للقلق والجدل بشأن قضايا الحوكمة ESG مع الظروف الحالية داخل الحكومات والمجتمعات في جميع أنحاء آسيا والولايات المتحدة.

(*) رئيس حوكمة الشركات، منطقة آسيا والمحيط الهادئ، في شركة “أبردين ستاندرد إنڤسمنت” ASI البريطانية

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى