الأداء القوي للصناديق السيادية يوفر السيولة والاستقرار للحكومات خلال فترة الجائحة .. بحسب دراسة لشركة إنفيسكو
الرياض – صحيفة المؤشر الاقتصادي
أصدرت شركة إنفيسكو اليوم النسخة السنوية التاسعة من تقرير “إدارة الأصول السيادية العالمية”. وتناول هذا التقرير آراء ووجهات نظر 141 من كبار مسؤولي الاستثمار ورؤساء فئات الأصول وكبار استراتيجيي المحافظ الاستثمارية في 82 صندوق ثروة سيادية و59 بنكًا مركزيًا في جميع أنحاء العالم، يديرون أصولًا بقيمة تبلغ 19 تريليون دولار أمريكي*.
ونظرًا لأن جائحة كوفيد-19 لا تزال تحتل المرتبة الأولى على قائمة اهتمامات العالم أجمع حاليًا، لما لها من تأثير مباشر على العمليات واستراتيجيات الاستثمار، فقد كانت تأثيرات الجائحة المستمرة حتى الآن من المواضيع الرئيسية التي ألقت بظلالها على مختلف جوانب تقرير هذا العام.
السيولة تتصدر محاور الاهتمام مع استمرار الجائحة بدفع الصناديق السيادية إلى تنفيذ عمليات سحب ومضاعفة احتياطياتها النقدية
في استجابة منها لضغوط جائحة كوفيد-19، سارعت الحكومات إلى تنفيذ تدابير سياسية تهدف إلى دعم اقتصاداتها وخدماتها العامة مثل قطاع الصحة، فضلاً عن تقديم الدعم للشركات والأسر في ظل تراجع عائدات الضرائب بسبب انخفاض النشاط الاقتصادي.
ودفعت الضغوط التي فرضتها الجائحة على ميزانيات الدول إلى قيام بعض الحكومات بالرجوع إلى صناديقها السيادية للحصول على رأس المال اللازم لتمويل بنود الإنفاق الحكومي وسد عجز الميزانية، حيث شهدت أكثر من ثلث الصناديق السيادية العالمية، و57٪ من الصناديق السيادية في منطقة الشرق الأوسط، عمليات سحب خلال عام 2020، بما في ذلك 78٪ من السيولة السيادية و58٪ من صناديق الاستثمار السيادية.
وفي سياق متصل، قالت جوزيت رزق، مديرة العملاء المؤسسيين في الشرق الأوسط وإفريقيا في شركة إنفيسكو: “دفعت جائحة كوفيد-19 الصناديق السيادية في الشرق الأوسط إلى التركيز على السيولة، سواء لتمويل الطلبات قصيرة الأجل أو للاستفادة من الفرص التي قد تبرز في المستقبل. ونظرًا لأن اهتمام الحكومات الإقليمية ينصب على توفير السلع الأساسية، فليس من المستغرب أن يتوجهوا لتوفير الدعم اللازم لتمويل عمليات الإغاثة التجارية التي فرضتها جائحة كوفيد-19، من خلال اعتمادهم على عمليات السحب”.
هذا وأدركت العديد من الصناديق السيادية أهمية بناء احتياطيات كبيرة من السيولة، في أعقاب الأزمة المالية العالمية، ونجحت في دعم اقتصاداتها المحلية والشركات الكبيرة التي كانت بحاجة إلى تمويل لتحقيق الاستقرار. إلا أن حجم وسرعة عمليات السحب بالنسبة للصناديق التي لم تتبنى هذا التوجه، تركا تأثيرًا كبيرًا على المخصصات، الأمر الذي دفع الصناديق السيادية إلى إعادة تقييم إدارة مخاطر السيولة. وقد أدى ذلك إلى تحول باتجاه النقد، مع زيادة الاحتياطيات النقدية في المحافظ بأكثر من الضعف خلال عام 2020، حيث واصلت بعض الصناديق السيادية التركيز على السيولة تحسبًا لعمليات سحب أخرى محتملة.
كما انتبهت الصناديق السيادية أيضًا إلى أن الجائحة قد سلطت الضوء على أهمية السيولة بشكل عام، بصفتها جدار حماية من الأحداث المستقبلية غير المتوقعة، أو لتوفير المرونة الضرورية للاستفادة من فرص السوق عند ظهورها، مثل الجريان المبكر للأسهم في بداية عام 2020.
وكشف تقرير إنفيسكو أيضًا عن تحول في توزيع الأصول، حيث اضطرت الصناديق السيادية إلى البحث عن أماكن أخرى لمواجهة انخفاض عائدات الدخل الثابت، إذ أدى تيسير السياسة النقدية على نطاق واسع إلى انخفاض أسعار الفائدة. وانخفضت مخصصات الدخل الثابت من 34٪ إلى 30٪ على الصعيد العالمي، مع عودة المخاوف بشأن التضخم الذي أدت إليه الحوافز التي تم ضخها على خلفية الجائحة. وتسببت التقلبات التي شهدتها الأسواق خلال الربع الأول من عام 2020 في ارتفاع طفيف في قيمة الأسهم، مما عكس اتجاه انخفاض المخصصات الذي كان سائدًا على مدار العامين السابقين. وعملت الصناديق السيادية العالمية على زيادة مخصصاتها بنسبة 2٪ اعتبارًا من عام 2020، لترتفع إلى 28٪. ويتوقع 30٪ من المشاركين في الدراسة، بما في ذلك 14٪ من منطقة الشرق الأوسط، زيادة مخصصاتهم للأسهم خلال الأشهر الـ 12 المقبلة. وعلى صعيد تخصيصات الأصول، فمن المتوقع أن تزيد الصناديق السيادية في منطقة الشرق الأوسط مخصصاتها بشكل كبير للعقارات (57٪)، والأسهم الخاصة (29٪) ، والبنية التحتية (43٪) والاستثمارات الاستراتيجية المباشرة (29٪).
وأضافت جوزيت رزق: “بينما تسببت الجائحة في حدوث عمليات سحب أولية، إلا أن أفق الاستثمار طويل الأجل للصناديق السيادية في الشرق الأوسط يجعل من زيادة المخصصات لهذه الأسواق الخاصة غير السائلة أكثر جاذبية”.
من جانبه، قال رود رينغرو، رئيس قطاع المؤسسات الرسمية في إنفيسكو: “لجأت بعض الحكومات التي واجهت تحديات مالية، إلى صناديقها السيادية للمساعدة في سد العجز في بنود إنفاقها. وبينما كانت بعض الصناديق مستعدة بشكل جيد للتعامل مع هكذا تحديات، كان على البعض الآخر إجراء تعديلات لتوليد السيولة اللازمة. وقد أصبحت الصناديق السيادية على دراية بأهمية الحفاظ على السيولة من أجل الاستفادة من فرص السوق بمجرد ظهورها. وفي الوقت نفسه، فإن تحقيق عوائد كافية في ظل أسعار الفائدة المنخفضة للغاية ذو تأثير كبير وطويل الأمد على عمليات تخصيص الأصول الاستراتيجية وإدراك مخاطر السوق”.
الجائحة تدفع إلى زيادة تبني الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية
أشار تقرير إنفيسكو إلى زيادة كبيرة في مستوى دمج مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية في محافظ بنوك مركزية وصناديق سيادية منذ عام 2017. فخلال أربع سنوات فقط، زادت نسبة الذين يتبنون سياسات حوكمة بيئية واجتماعية ومؤسسية على مستوى شركاتهم بشكل كبير بين المشاركين في الدراسة، اترتفع من 46٪ إلى 64٪ بالنسبة للصناديق السيادية، ومن 11٪ إلى 38٪ على صعيد البنوك المركزية. أما في منطقة الشرق الأوسط، فقد تبنى 56٪ من الصناديق السيادية و43٪ من البنوك المركزية سياسات حوكمة بيئية واجتماعية ومؤسسية.
وأشارت دراسة العام الماضي إلى أن اهتمام الصناديق السيادية والبنوك المركزية كان منصبًا على التغير المناخي، ولا سيما حماية محافظهم من التأثيرات المناخية، ثم ترسخت بعد ذلك الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية. وبينما كان لا يزال يتعين على البعض تبني سياسات رسمية على ذلك الصعيد، انتقل الكثيرون إلى مرحلة العمل والتأثير. وكشفت دراسة هذا العام أن مخاطر التغير المناخي لا تزال تتمتع بأهمية على جدول الأعمال في الشرق الأوسط، حيث أشار 75٪ من المشاركين في الدراسة إلى أن التغير المناخي يؤثر على قراراتهم بشان تخصيص الأصول، مقارنة بـ 62٪ على مستوى العالم. أما بالنسبة للصناديق السيادية في الشرق الأوسط، فهي تنظر إلى التغير المناخي على أنه أحد أهم المخاطر التي تتعرض لها المحافظ العقارية، حيث أشار 88٪ على أن مستويات اهتمامهم باعتبارات المخاطر المناخية عند القيام باستثمارات عقارية ازدادت بالفعل. وشكلت جائحة كوفيد-19 محفزًا مهمًا للصناديق السيادية والبنوك المركزية لإعطاء الأولوية للحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، حيث ازداد اهتمام 32٪ من المشاركين في الدراسة بشكل عام، و50٪ من منطقة الشرق الأوسط بسياسات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية على خلفية الجائحة.
ويتناقض التزام الصناديق السيادية بشأن الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية بشكل صارخ مع المواقف التي تضمنها استطلاع الرأي في تقرير عام 2017، والتي أشارت إلى الإحجام المتواصل للبعض عن الالتزام بأي اعتبارات للحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية، ناهيك عن فترة الأزمة التي أدت إلى تفاقم أهمية الأولويات الأخرى. ومع ذلك، فهناك خصوصيات تنشأ عن الاختلافات في توجهات وأهداف صناديق الثروة السيادية، والتي تؤثر بدورها على مستويات تبني الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية.
وأشارت الدراسة إلى أن الصناديق السيادية على الصعيد العالمي، تركز بشكل أكبر على الحفاظ على السيولة للمساعدة في تمويل عجز الميزانية، وأن 12٪ فقط من السيولة السيادية تتبنى سياسة حوكمة بيئية واجتماعية ومؤسسية رسمية. وفي المقابل، تتبنى 79٪ من الديون السيادية سياسة حوكمة بيئية واجتماعية ومؤسسية، بما يعكس الآفاق الأطول لاستثماراتها وحاجتها إلى مراعاة المخاطر طويلة الأجل، كالتغير المناخي، فضلاً عن حاجتها إلى تمثيل وجهات نظر وأولويات المستفيدين منها.
كما قامت الصناديق السيادية بتسريع أبحاثها حول فرص استثمار مستدام. وساهم الاهتمام المتزايد بالفرص الاستثمارية المرتبطة بالمناخ في حدوث تحول في دوافعهم لدمج عوامل الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية بهدف تحسين عائدات الاستثمار، حيث يعتقد 53٪ من الصناديق السيادية في الشرق الأوسط و57٪ على مستوى العالم، أن السوق لم يقم بتسعير التأثيرات طويلة الأجل للتغير المناخي، الأمر الذي يوفر فرصًا لتحقيق عائدات أعلى.
وشهدت معنويات البنوك المركزية تحولًا كبيرًا عما كان عليه الأمر خلال العام الماضي، حيث اعتبرت 65% منها أن قضية التغير المناخي تدخل في صلب اهتماماتها في عام 2021، بينما كانت نسبة المهتمين بهذه القضية من تلك البنوك 46٪ فقط في عام 2020. وتعتقد 67٪ من البنوك المركزية في الشرق الأوسط أن السندات الخضراء هي من الأصول الاحتياطية الأجنبية المرغوبة.
الصناديق السيادية تعود إلى الصين مع انحسار خطر فيروس كورونا، على الرغم من استمرار المخاطر الجيوسياسية
ازدادت الجاذبية الاستثمارية للصين بشكل مطرد خلال السنوات الأربع الماضية، مدفوعة بالعائدات المحلية الجذابة وفرص التنويع. وعندما كانت تداعيات جائحة كوفيد-19 لا تزال غير واضحة المعالم في الأشهر القليلة الأولى من عام 2020، عمدت الصناديق السيادية إلى الابتعاد بشكل تكتيكي عن الأسواق التي تعتبر في موقف ضعيف، بما في ذلك الصين، لتتوجه نحو استثمارات أقل خطورة، ولا سيما تلك التي تتمتع بجودة وسلامة أعلى نسبيًا في أمريكا الشمالية، وتحديدًا السندات الأمريكية.
ومكّنت الاستجابة السريعة لجائحة كوفيد-19 دول واقتصادات منطقة آسيا المحيط الهادي الناشئة من التعافي أسرع من غيرها. ونتيجة لذلك باتت 40٪ من الاستثمارات السيادية و56٪ من السيولة السيادية على مستوى العالم تنظر إلى الصين على أنها منطقة استثمارية أكثر جاذبية مما كانت عليه قبل الجائحة، إلا أن زيادة مخصصات تلك الصناديق لهذه المنطقة جاءت على حساب الاستثمار في أوروبا والأسواق الناشئة الأخرى مثل أمريكا اللاتينية وإفريقيا.
وعلى الرغم من الجاذبية المتزايدة للصين، إلا أن هناك بعض العقبات الملحوظة أمام الاستثمار فيها. إذ يشير 86٪ من الصناديق السيادية العالمية إلى التوترات السياسية المتزايدة مع الولايات المتحدة كمعوقات مهمة تؤثر على قراراتها في تخصيص الأصول. وفضلًا عن أنها أهم عائق أمام الاستثمار، كانت المخاطر السياسية أكثر عقبة تطورت بشكل سلبي في العامين الماضيين.
ومن العقبات الأخرى التي أشار إليها المستثمرون، عدم القدرة على تحويل الرنمينبي (أشار إلى ذلك 50٪ من الصناديق السيادية المشاركة في الدراسة)، والافتقار إلى مواءمة الاستثمارات مع اعتبارات الحوكمة البيئية والاجتماعية والمؤسسية (45٪)، والافتقار النسبي لحقوق المستثمرين (41٪).
وفي سياق استشرافها للمستقبل، تشير الدراسة إلى أن الصناديق السيادية تتوقع أن تقوم بزيادة مخصصاتها للصين في عام 2021، من خلال ضخ رأس مال جديد وعبر إعادة توزيع مخصصاتها في أمريكا الشمالية وأوروبا. ويساهم صعود الصين كقوة اقتصادية وسياسية ذات موضوعات استهلاكية مواتية، بما في ذلك تمتعها بطبقة وسطى ناشئة واقتصاد عالي الرقمية، في تعزيز التوقعات بتحقيق عائدات محلية جذابة لمخصصات الصناديق السيادية. وأشار ممثلو 75٪ من الصناديق السيادية المشاركة في الدراسة على أنهم مهتمون بالاستثمار في الصين بسبب فرص تحقيق عائدات محلية جذابة، بينما رأى 57٪ منهم أن الصين تعد أداة مهمة لتنويع محافظهم. أما الصناديق السيادية في الشرق الأوسط فقد أشارت إلى رغبتها في الاستفادة بشكل أفضل من مكانة الصين كشريك تجاري، والتغييرات في المعايير العالمية للدخل الثابت باعتبارها تلعب دورًا في التخصيصات.
هذا ولا يزال العديد من المستثمرين متفائلين تجاه الصين، ويتطلعون للبناء على تخصيصاتهم الراهنة. وجدير بالذكر أن 75٪ من الصناديق السيادية في الشرق الأوسط تستثمر حاليًا في الصين، ويتوقع 60٪ منها زيادة حجم مخصصاتها هناك خلال السنوات الخمس المقبلة. وفي هذا السياق، قالت جوزيت رزق: “تنظر الصناديق السيادية في الشرق الأوسط إلى الصين على أنها منطقة استثمار طويل الأجل، وذلك نظرًا لأنها تشكل جزءًا رئيسيًا من الاقتصاد العالمي، ومساهمًا قويًا في الناتج المحلي الإجمالي العالمي. وينعكس الاهتمام المتزايد بالصين من خلال الكم المتنامي من الفرص الاستثمارية الجذابة التي توفرها”.
وأضاف رود رينغرو: “تنبع الجاذبية المتزايدة للصين من قدرة الوصول المحسنة، والفرص المتزايدة لتحقيق عائدات جذابة. ويأتي ذلك على خلفية الابتكارات المتواصلة في العديد من المجالات، كالتكنولوجيا، والانفتاح المتزايد على الاستثمار الأجنبي في قطاعات مهمة مثل البنية التحتية. وتقوم الشركات الصينية بإجراء تحسينات على صعيد معالجة القضايا البيئية. ومع ذلك، لا تزال الشفافية في مجال الحوكمة المؤسسية مصدر قلق للمستثمرين، كما أن تنامي العوائق التشغيلية يوضح الطبيعة الفريدة للسوق الصيني”.