جدوى للاستثمار : قطاع الجملة والتجزئة السعودي ارتفع 7,5 في المئة في الربع الأول 2023

الرياض – محمد الفقي
قال تقرير حديث لشركة جدوى للاستثمار أن قطاع ”تجارة الجملة والتجزئة“ السعودي حظي بنمو قوي خلال السنوات القليلة الماضية. إذ نما القطاع بنسبة 7,5 في المئة في الربع الأول 2023، والآن يشكل نسبة تقل قليلاً عن 10 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الكلي ، ويوجد دفع للطلب بسبب انضمام النساء إلى القوى العاملة، كما أنه في جانب العرض يتوفر مجال متزايد باستمرار لإنفاق المداخيل الجديدة على الترفيه والسياحة المحلية.
ونشرت الهيئة العامة للإحصاء بيانات الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول 2023 في مطلع يونيو. تشير تلك البيانات إلى نمو الناتج المحلي الإجمالي الفعلي بنسبة 3,8 في المئة ، على أساس سنوي، منخفضاً من 5,5 في المئة في الربع الرابع 2022، ومن 10 في المئة في الربع الأول 2022. وكان العامل الرئيسي لانخفاض النمو هو الأنشطة النفطية، التي تباطأت إلى 1,4 في المئة ، من 6,1 في المئة في الربع السابق، ومن نسبة هائلة بلغت 20,3 في المئة في الربع الأول 2022. من ناحية أخرى، تسارعت الأنشطة غير النفطية إلى 5,3 في المئة ، مقابل 3,4 في المئة في الربع الأول 2022.
وقال التقرير إن الأنشطة النفطية مهيأة لمزيد من التباطؤ، بل ربما تذهب نحو الاتجاه المعاكس، في ظل التزام المملكة بالمزيد من خفض الإنتاج كجزء من اتفاقيات أوبك. يتضمن الربع الثاني خفضاً للإنتاج بنحو 500 ألف برميل يومياً، والذي تم إجراؤه في مايو، ومن المفترض أن يستمر بقية العام (تقدر وكالة بلومبيرج الخفض الحقيقي بـ 510 ألف برميل يومياً). هذا الخفض من المحتمل أن يؤدي إلى جعل الإنتاج يقل بنسبة 3 في المئة عن مستواه في الربع الثاني 2022. وبعد ذلك، في يوليو، هناك وعد بخفض إضافي لإنتاج المملكة بنحو 1 مليون برميل يومياً، ونفترض كذلك أنه سيطبق خلال بقية العام. وهكذا، فإن إنتاج النفط للربع الثالث يرجح أن ينخفض على الأقل بنسبة 15 في المئة ، على أساس سنوي. باستثناء استرداد غير متوقع في الإنتاج في الربع الرابع (وهو أمر يعتمد على قراءة الجهات المختصة لحالة الطلب)، يرجح أن ينخفض إجمالي انتاج النفط الخام بنسبة 8 إلى 10 في المئة عام 2023 مقارنة بعام 2022.
ونما الإنتاج غير النفطي بنسبة 5,3 في المئة ، على أساس سنوي ، وهو الربع الثالث على التوالي الذي يتحقق فيه هذا المستوى. وينقسم النشاط غير النفطي إلى جزئين ”حكومي“ و“خاص“، ويشكل الأخير عموماً حوالي 70 في المئة من الإنتاج هذه المرة، شهد الإنتاج الحكومي نمواً أقوى (5,4 في المئة على أساس سنوي)، ومع ذلك ظل النشاط الخاص مرتفعاً بنسبة 5,2 في المئة .
وبالنظر إلى الناتج المحلي الإجمالي حسب القطاعات، يبقى أكبر محرك للنمو غير النفطي (خارج الخدمات الحكومية) هو قطاع ”الصناعة“، الذي تسيطر عليه البتروكيماويات وتكرير النفط. عانى التكرير في الربع الأول، حيث انخفض بنسبة 7,6 في المئة ، ويعود ذلك على ما يبدو إلى سعي الجهات المختصة لدفع المزيد من النفط الخام إلى أسواق التصدير، على حساب نشاط التكرير المحلي، إلى جانب تأثير بعض الضعف في الطلب الإقليمي على التكرير. تباطأ إنتاج البتروكيماويات بدرجة كبيرة إلى 2,3 في المئة ، نتيجة لاقتراب مخزونات الكيماويات في الصين (السوق الرئيسية للمملكة) من طاقتها القصوى. يتوقع أن ينتعش الطلب في الصين مرة أخرى، مع تناقص المخزونات هناك، مما يوفر دعماً لقطاع عانى أكثر من بقية القطاعات خلال عمليات الإغلاق في الصين. وفي الواقع، تشير البيانات اللاحقة وهي تخص شهر أبريل، إلى أن الإنتاج الصناعي الإجمالي ارتفع بنسبة 10,5 في المئة .
ومن حيث حجم القطاع، يأتي خلف قطاع ”التجارة“ قطاع ”التمويل، والتأمين، والأنشطة العقارية، وخدمات الأعمال“ (9,5 في المئة من الناتج المحلي الإجمالي الكلي). مع ذلك، كان النمو في هذا القطاع أكثر تباطؤاً في الربع الأول 2023، حيث جاء النمو الكلي عند 2,8 في المئة ، متأثراً بتراجع القطاع الفرعي ” الأنشطة العقارية“. وكانت ”الأنشطة العقارية“ قد حققت نمواً ضخماً في عام 2021 وجزء كبير من عام 2022، قبل أن تبدأ أسعار الفائدة المرتفعة الضغط على طلب قروض الرهن العقاري. مع ذلك، لا يزال الطلب المكبوت كبيراً، ومن المرجح أن يشهد القطاع تجدد النمو المتسارع بمجرد أن تبدأ أسعار الفائدة في التراجع (من المحتمل في النصف الأول عام 2024).
وفي أعقاب عامين مليئين بالتحديات (تتعلق بكوفيد-19 بصورة أساسية)، يبدو أن قطاع ”التشييد“انتعش بقوة، لينمو بنسبة 5,5 في المئة ، على أساس سنوي، في الربع الأول. في الواقع، كان متوسط النمو في الأرباع الأربعة الماضية عند 5,9 في المئة . ومن الواضح جداً أن القطاع استفاد من الزيادة الكبيرة في استثمارات القطاع العام، وبالأخص فيما يتصل بـ ”المشاريع العملاقة“، على الرغم من أن تشييد المساكن كان له أيضاً أثر إيجابي كبير. هنالك بعض القيود تتصل بالعمالة والمدخلات الأخرى، على أكبر قطاع غير نفطي هو ”الأنشطة الحكومية“، على الرغم من أن علاقة هذا القطاع بإيرادات النفط من الواضح أنها وثيقة للغاية. انتعش هذا القطاع بنسبة 4,9 في المئة ، على أساس سنوي، في الربع الأول 2023 (مقارنة بمتوسط 2,6 في المئة في الأرباع الأربعة السابقة)، ويتسق هذا الانتعاش مع الزيادة في الإنفاق التي تم الكشف عنها في بيان أداء الموازنة العامة في الربع الأول. ويعتبر هذا المستوى من النمو، عند 4,9 في المئة ، هو الأكبر منذ الربع الثاني عام 2018، ويعكس في جزء منه الزيادة في تكاليف المشتريات (التي تتصل بالارتفاع الكبير في الإنفاق الرأسمالي) خلال الربع. ويبدو من المرجح أن يتراجع نمو الإنفاق الحكومي في الأرباع القادمة، نظراً لعدم اليقين بشأن توقعات الطلب على النفط.
ويتطابق الأداء القوي للخدمات الحكومية في الربع الأول مع الناتج المحلي الإجمالي حسب بيانات الإنفاق ، تشير تلك البيانات إلى أن ”الاستهلاك النهائي“ الحكومي نما بنسبة 16,2 في المئة بالقيمة الفعلية، على أساس سنوي- مسجلاً ارتفاعاً مذهلاً مقارنة بمتوسط النمو عام 2022، والذي كان عند 6,7 في المئة . رغم ذلك، لا يزال الاستهلاك الحكومي يعادل فقط نحو نصف الاستهلاك الخاص، الذي شهد مكاسب كبيرة مضطردة خلال العامين الماضيين، بمتوسط 7 في المئة . حالياً يشكل الاستهلاك الخاص نحو 45 في المئة من الطلب المحلي النهائي (مع طرح صافي الصادرات المتقلبة)، مقارنة بنسبة 36 في المئة قبل عشر سنوات. وسيكون الاستهلاك الخاص بمثابة داعم قوي للناتج المحلي الإجمالي لسنوات قادمة، نظراً لأن النساء لا يزال يشكلن فقط 38 في المئة من القوى العاملة، مقارنة بمتوسط عالمي عند حوالي 50 في المئة .
في غضون ذلك، أكد إجمالي تكوين رأس المال الثابت على دوره كمحفز رئيسي لنمو الاقتصاد السعودي، حيث توسع بنسبة 17,6 في المئة ، على أساس سنوي، في الربع الأول 2023. مع ذلك، فإن حتى هذا الرقم المدهش لا يزال يقل كثيراً عن متوسط معدل النمو البالغ 24,2 في المئة الذي تحقق عام 2022. ونما الاستثمار الثابت بمستوى ضخم، بلغ 45 في المئة بالقيمة الفعلية، مقارنة بمستويات سنوات جائحة كوفيد-19 التي بدأت منذ عام 2020، وذلك نتيجة لتكثيف العمل في المشاريع العملاقة وغيرها من أعمال الإضافات والتحسينات في البنية التحتية. مع ذلك، فإن فصل الاستثمار الخاص عن الاستثمار العام ليس بالأمر السهل.




