كورونا والنفعية الغربية
بقلم الدكتور: منير الشواف
أطلق آدم سميث، مبدأ وشعار النفعية في الحياة , وقامت الرأسمالية على هذا الأساس , الذي يجعل غاية العمل الحصول على أعظم ربح بأقل جهد , بغض النظر عن القيم الإنسانية التي خُلق هذا الكون لأجلها , إذن غيرت الرأسمالية الغاية من وجود الإنسان كعنصر مفكر , من أجل إسعاد نفسه والمجتمعات والبشرية.
ـ انطلاقاً من هذا التفكير سادت شريعة التنافس بين أهل الفعاليات الاقتصادية ليسيطر كل منها على الشريحة الأكبر من السوق, فأصبح هاجس رجال الأعمال , ليس توفير السلع والخدمات للناس بأرخص الأسعار وأجود المواد , بل تطوير وسائل الانتاج , حيث يستطيع كل منهم أن يحتكر السوق لنفسه , بغض النظر إذا كان هذا التطوير صديق للإنسان أو للبيئة أو للحياة , إنما صار هَم المُنتج فقط الاستحواذ على السوق و من هنا نشأت فكرة براءات الاختراع وملكيتها الاحتكارية , التي كانت من أهم عوامل استرقاق الشعوب وخضوعها إلى أصحاب وسائل الانتاج , الذين احتكروا هذه البراءات من فقراء وتعساء أهل المواهب , حيث نجد ان هناك مجموعة رجال اعمال يروجون على كثير من الفضائيات بتحريض من الرأسماليين الذين يدعموهم , بأن العالم يسير بطريق حكومة عالمية تحكم العالم من خلال الذكاء الاصطناعي والتطور العلمي , الذي لا يستطيع أن يوقفه أحد وأن العالم على أبواب حروب مصيرية , وكل ذلك من أجل إحباط الناس والمجتمعات ليقبلوا الواقع الذي يعيشونه , وهو سيطرة الرأسمالية النفعية غير المباشرة , وبدون حكومة معترف بها من الأمم المتحدة , لكنها حكومة الأمر الواقع , ولذلك لا تستغرب طرحهم لأنهم بتخويفهم من الأكبر الخيالي يجعلون الناس يقبلون بالأقل الواقعي , وهو سيطرة الحكومة الخفية في العالم وهي حكومة مؤتمر “دافوس “هذه الأسس التي أوصلت المجتمعات ابتداءاً من بدايات القرن العشرين إلى تعاسة مُغلف ظاهرها بالرحمة وباطنها بالشقاء .
ـ كل مصائب الدنيا وبلاويها ابتداءاً , من شركة الهند الشرقية , واسترقاق الشعوب الأوربية , إلى الحربين العالميتين , مروراً بالتفجير النووي في هيروشيما وناغازاكي والنعجة “دولي” , وحتى كورونا (1) وكورونا (2) واللعب في الشبكات الوراثية والجينات البشرية وجينات المأكولات والمزروعات , وكل ما يتحرك في هذا الكون , قائم في مختبرات اللاإنسانية على قدم وساق , بموجب القاعدة الرأسمالية وهي ” تحصيل أكبر ربح بأقل جهد ” من خلال التلاعب بقوانين الله سبحانه وتعالى ومحاولتهم الخروج عنها , بحجة التطور وتحقيق الرفاهية للناس .
ـ استطاع هذا العقل تحقيق أرباح خيالية من خلال برامج أنظمة دارات المغناطيس والالكترون من G1 إلى G5 , فأوصل المجتمعات إلى حالة ضياع وأوبأة وأمراض لم تكن قبل أفكاره الأنانية , التي ساقت الناس من رقي الحياة البشرية وسعادتها الأسروية إلى تفكك المجتمع وأنانية الفرد , واضطراب بالنفس قاد الجميع في طريقهم إلى مقابر الشقاء , بغض النظر عن الإشعاعات والذبذبات القصيرة التي تصدرها هذه التقنية وأثرها على بنية الإنسان والحياة , وشوارع نيويورك وروما ومدريد ولندن وبرلين وبكين شاهدة على ذلك .
ـ أنا لا أريد أن يفهم القارئ أني عدو للعلم والابتكار والرقي والرفاهية , إني عدو لاتخاذ هذه العقليات وسيلة للسيطرة على الشعوب وإذلالها وسحق أدميتها , ولا تهمني ثروة “غيتس وجوبز وأمثالهم”, وتضخم ثرواتهم على حساب صحة الإنسان الذي وجد هذا الكون لأجله .
ـ إن متعة الحياة أن يعمل الإنسان وأن يبذل كل جهد لتحقيق غاية أو نتيجة لتطور الحياة بالشكل الطبيعي الذي يحقق الرفاهية والأمان لمجتمعه ولدولته وللإنسانية جمعها , وما الغاية من عمل شركات استعباد لشعوب للوصول إلى الذكاء الاصطناعي وإلى تسخير ” الريبوتات ” في الأعمال , وهل ينقصنا يد بشرية لتقوم بهذه المهام والخدمات , ألم يفكر رجل الأعمال العبقري بأن ذكاؤه الاصطناعي سوف يقضي على الذكاء الحقيقي ويحول الإنسان إلى أداة تنافس أداة أخرى .
وأختم بقوله تعالى : ( ولقد كرمنا بني آدم وحملناهم في البر والبحر ورزقناهم من الطيبات وفضلناهم على كثير ممن خلقنا تفضيلاً ) الآية /70/ سورة الإسراء .
مسك الختام هذه الآية الكريمة التي حددت قيمة الإنسان في هذه الحياة وفضله على سائر المخلوقات , بأنه القوة الوحيدة العاقلة والمفكرة والمبدعة , وعلى الإنسان أن يسخرها لنفع أخيه والمجتمع وليرقى بتفكيره إلى خدمة الشأن العام الذي وجد على الكون من أجله وبسببه