جدوى للاستثمار: جائحة كورونا تؤدي إلى تآكل الطلب على النفط

الرياض – عبده المهدي
يقدم أحدث تقرير شهري حول أسواق النفط صادر من أوبك قراءة قاتمة فيما يتصل بالملامح المستقبلية لنمو الطلب على النفط عام 2020، حيث يُتوقع تراجع الطلب بمتوسط 6,9 مليون برميل يومياً خلال العام. وفي ظل التدابير الاحترازية المتخذة في مختلف أنحاء العالم خلال الأشهر القليلة الماضية لإبطاء تفشي فيروس كورونا المستجد، فإن هذا التراجع في الطلب لا يعتبر مستغرباً. لقد أصبح الآن ما بدأته الصين، من حيث إجراءات الإغلاق والعزل في بعض أجزاء البلاد، مطبق عملياً في جميع أنحاء العالم بطريقة أو بأخرى. رغم أن الصين قامت برفع تلك القيود الأولية، إلا أن معظم بقية العالم لا يزال محافظاً عليها. ومما لا شك فيه أن تلك الإجراءات قد أثرت على النشاط الاقتصادي والطلب على النفط، وجاء التأثير الأكبر على طلب الوقود المستخدم في النقل، والذي يشكل نحو 56 في المئة من إجمالي الطلب العالمي على النفط. وضمن هذا القطاع، جاء الضرر الأكبر من نصيب قطاع الطيران، نتيجة للانخفاض الحاد في رحلات الطيران في أعقاب تفشي فيروس كورونا المستجد. وفي نفس الوقت، امتد التأثير إلى النقل البري غير التجاري (21 في المئة من إجمالي الطلب)، حيث أدى التباعد الاجتماعي وحظر التجول في كثير من الدول، إلى وقف عمليات التنقل غير الضرورية في معظم المدن الرئيسية حول العالم. مع ذلك، بقي الطلب على وقود الشاحنات (24 في المئة من إجمالي الطلب على النفط) قوياً. أخيراً، يشير أحدث مؤشر لمديري مشتريات المنتجات الصناعية العالمية، إلى أن نشاط المصانع لا يزال يعاني من مستويات انكماش عميقة (تشكل الصناعة نحو 12 في المئة من طلب النفط العالمي)، ويتوقع أن يؤدي هذا الانكماش إلى تآكل الطلب على أنواع الوقود، كالديزل الصناعي مثلاً، خلال الفترة القادمة. إجمالاً، رغم أن التقديرات الحالية بشأن النمو السنوي لطلب النفط تعتبر قاتمة، إلا أن حجم تراجع الطلب سيعتمد بشكل أساسي على مجموعة عوامل، تتضمن المستوى والمدى الزمني لعمليات الإغلاق والعزل التي تطبقها مختلف الدول، وكذلك ما هو شكل أو نمط الاستراتيجية التي ستتبناها كل دولة للتخفيف من تلك القيود. والحال كذلك، ربما يتم تعديل هذه التوقعات الخاصة بالطلب على النفط بإجراء المزيد من الخفض عليها في الفترة القادمة.
أخيراً؛ إبرام اتفاق بين أوبك وشركائها: مؤخراً أبرمت أوبك وشركائها اتفاقاً على إجراء خفض تاريخي في إنتاج النفط الخام. وقد التزمت أوبك وشركائها، بموجب هذا الاتفاق، بخفض إجمالي إنتاجهما بنحو 9,7 مليون برميل يومياً في مايو ويونيو، و7,7 مليون برميل يومياً في النصف الثاني من عام 2020، و5,8 مليون برميل يومياً من بداية عام 2021 وحتى الربع الأول من عام 2022. ويعتبر خط الأساس لاحتساب التخفيضات لكافة الدول هو إنتاج شهر أكتوبر 2018، باستثناء روسيا والمملكة العربية السعودية، اللتان ستخفضان الإنتاج من مستوى 11 مليون برميل يومياً . بكل المقاييس يعتبر الاتفاق تاريخياً، ولكن إضافة إلى التساؤل بشأن عما إذا كان الخفض سيكون كافياً لمنع المزيد من تراكم المخزونات (أنظر الجزء الخاص بتوقعات أسعار النفط أدناه)، فإن الاتفاق يواجه أيضاً نفس المشكلة المحتملة التي صادفها الاتفاق السابق، وهي أن عدداً قليلاً من الدول ربما يلتزم بتطبيق التخفيضات. وعليه، فعند مقارنة الإنتاج المتفق عليه بالإنتاج الفعلي (باستثناء فنزويلا وإيران اللتين انخفض إنتاجهما بسبب ظروف قاهرة وليس طوعاً)، نجد أن الدول الخليجية الثلاث، المملكة والكويت والإمارات، شكلت نسبة 89 في المئة من إجمالي خفض المجموعات عام 2019. من ناحية أخرى، كان إنتاج روسيا، في المتوسط، يزيد بنحو 50 ألف برميل يومياً عن الإنتاج المقترح .
ويتوقع أن يكون إنتاج السعودية من النفط الخام خلال الشهور الأربعة الأولى من عام 2020 قد بلغ في المتوسط 10,3 مليون برميل يومياً. بالنظر إلى المستقبل، فإن الإنتاج المتوقع من المملكة، بموجب الاتفاق الحالي بين أوبك وشركائها، سيكون في حدود 8,5 مليون برميل يومياً في مايو ويونيو، ثم يرتفع إلى 9,1 مليون برميل يومياً في النصف الثاني عام 2020. نتيجة لذلك، الآن نتوقع أن يبلغ متوسط إنتاج المملكة من النفط الخام نحو 9,4 مليون برميل في اليوم خلال عام 2020، منخفضاً من 11,4 مليون برميل يومياً، حسب تقديراتنا السابقة. ولكن، لا نتوقع انخفاضاً مماثلاً في صادرات النفط، ويعود ذلك إلى أن الإجراءات المتخذة للحد من تفشي فيروس كورونا، بما في ذلك حظر التجول، وما يترتب عليه من تراجع في النشاط الاقتصادي( أنظر الجزء الخاص بالتطورات الاقتصادية أدناه)، ستؤدي إلى انخفاض استهلاك الطاقة في المملكة. وبصورة أكثر تحديداً، نتوقع أن يكون التأثير الأكبر من نصيب استهلاك البنزين ووقود الطائرات (والذين شكلا 30 في المئة من إجمالي استهلاك السوائل عام 2019). إضافة إلى ذلك، نتوقع انخفاضاً إضافياً في استخدام النفط الخام في توليد الكهرباء (والذي بلغ متوسطه 424 ألف برميل يومياً عام 2019)، وذلك بفضل البدء في إنتاج الغاز الطبيعي غير المصاحب من مجمع الفاضلي للغاز (للمزيد بهذا الخصوص، يمكن الرجوع إلى تقريرنا السابق حول تطورات الاقتصاد السعودي)، كما أن الطلب على الكهرباء نفسها سيتراجع على الأرجح، على أساس المقارنة السنوية، بسبب التدابير الاحترازية ضد تفشي فيروس كورونا.