مقالات

“دورة حياة البلاستيك”…فرص ضخمة غير مستغلة لخلق اقتصاد دائري ملموس وعالي القيمة

بقلم: مريم المنصوري (*)

مع دخولنا مرحلة جديدة من التحركات غير المسبوقة للتعامل مع القضايا المتعلقة بالبيئة وتفعيل سُبُل حماية كوكبنا من التلوث الذي يهدد مواردنا الطبيعية، يُعد الوقت مثالياً الآن لإلقاء مزيدٍ من الضوء على مجال إعادة التدوير ودورة حياة البلاستيك باعتبارها واحدة من المسائل التي ينبغي زيادة الوعي حولها باستمرار. وبعد الاجتماع الذي عقدته وفود 175 دولة من جميع أنحاء العالم في جنيف مؤخراً لاقتراح جهد مشترك لمعالجة المخاوف المتعلقة بالنفايات البلاستيكية العالمية، تكاد تكون الحلول التي تمخّض عنها المؤتمر قليلة أو معدومة نظراً لعدم التطرق للمشاكل الأكثر أهمية مثل انتقال المواد البلاستيكية عبر المياه المشتركة بين الدول والعابرة للحدود. وبصفتي أحد أعضاء الوفد الرسمي لدولة الإمارات العربية المتحدة في المؤتمر، لاحظت عدم تقديم أي مقترحات أو مبادرات استباقية لإيجاد حلول للقيود العديدة التي تواجه الحكومات حول العالم اليوم في مساعيها لمعالجة الاعتماد على البلاستيك الذي يتزايد بمقدار ثلاثة أضعاف، مع إظهار الحد الأدنى من الاهتمام حول الإمكانات الكبيرة واللامتناهية التي ينطوي عليها مجال إعادة التدوير.

وتواجه صناعة البلاستيك المعاد تدويره بشكل عام،حالياً، العديد من التحديات التي يصعُب معالجتها من دون تحديد واتباع ممارسات ومعايير موحّدة ومقبولة عالمياً تضمن مراقبة الجودة. وعلى الرغم من التوقعات التي تشير إلى نمو مجال إعادة التدوير بوتيرة أسرع مقارنةً بجميع الطرق والأساليب الأخرى المتّبعة لإدارة النفايات، لينمو من 9٪ في عام 2019 إلى 17٪ في عام 2060 – إلا أنه لا يزال من المتوقع أن يستحوذ مجال إعادة التدوير على حصة أقل على مستوى قطاع إدارة النفايات مقارنةً بالحرق (18٪)، ومكبّات نفايات الصرف الصحي (50٪). ويشكل القضاء على التلوث البلاستيكي أمراً ممكناً للغاية، ولكنه يتطلب إجراءات عالمية ملموسة على المستويين العام والخاص، كما يجب أن تكون الجهود المبذولة لمعالجة تلوث النفايات البلاستيكية دولية وعابرة للحدود و”الأجيال” أيضاً.

لا يمكن لأحد أن ينكر القيمة التي يوفرها البلاستيك كمكوّن أساسي في مجموعة واسعة من السلع، وباعتباره سلعة بحد ذاته، يمثل البلاستيك مادة رخيصة ومرنة وقابلة للتحمل نسبياً والتي ساهمت على مدار السنين في تسهيل تقدم ثقافاتنا ومجتمعاتنا، ووفرت للعديد من الأجيال فرص التعلم والابتكار في مختلف المجالات. ولم يكن من الممكن الحصول على منتجات الطعام والدواء ذات الاستخدام لمرة واحدة من دون توافر المواد البلاستيكية منخفضة التكلفة. وتساعد المواد البلاستيكية أيضاً في الحفاظ على الطاقة وكذلك إنتاجها كما هو الحال مع طاقة الرياح. ومع نمو عدد سكان العالم، وزيادة نصيب الفرد من الاستخدام في المناطق النامية من العالم، من المتوقع أن يستمر الاعتماد على المواد البلاستيكية كمواد عالية القيمة في المستقبل القريب.

والسؤال الذي يطرح نفسه هنا كيف يمكننا الحد من التلوث البلاستيكي الذي يجتاح عالمنا مع مواصلة تلبية متطلبات الشركات من المواد البلاستيكية التي تحتاجها في عملياتها ومنتجاتها؟ الجواب بكل بساطة يتمثل في ضرورة تعزيز ممارسات ومعايير إعادة التدوير والعمل على تحويل البلاستيك بعيداً عن مكبات النفايات، فضلاً عن توسيع نطاق الاستثمار المحلي في البنية التحتية التي تساعد على استعادة المواد ومعالجتها. ونظراً لأن نجاح عمليات إعادة التدوير يتطلب ما يُعرف اصطلاحاً بـ “وفورات الحجم” (وهو مفهوم يعبّر عن الاستراتيجية المتّبعة لخفض التكاليف من خلال زيادة حجم الإنتاج)، فذلك يعني أن المواد الأولية يجب أن تكون متاحة بوفرة سواءً لمحطات المعالجة أو المستخدمين النهائيين. وهنا تكمن مهمتنا في شركة “ريباوند لتداول البلاستيك المعاد تدويره”، حيث تعمل منصتنا على سد هذه الفجوة من خلال تمكين البلدان التي لا تمتلك البنية التحتية أو الموارد اللازمة لمعالجة المواد البلاستيكية القابلة لإعادة التدوير أو القدرة على استيعاب المحتوى المعاد تدويره في سوق التصنيع المحلية، من تداول المواد البلاستيكية المعاد تدويرها مع تحقيق وفورات الحجم عبر استعادة الموارد واستخدام المواد.

وقد أدى الطلب المستمر على البلاستيك إلى تعزيز الابتكار في مجال إعادة تدوير المواد البلاستيكية المستعملة لاستخدامها في منتجات أخرى (أو حتى في المنتج ذاته)، وهي استراتيجية رئيسة للحفاظ على الوقود الأحفوري وتجنب العوامل الخارجية، ما يشكّل خطوة في غاية الأهمية لدعم المساعي الحثيثة التي تبذلها الدول لتحقيق أهداف استراتيجياتها البيئية الطموحة. بينما قد يعني الاستمرار في تجاهل الفرص التي يوفرها مجال إعادة التدوير أن دورة حياة البلاستيك ستكون دائرية بنسبة 14٪ فقط في عام 2060. ومن دون اتخاذ إجراءات وتغييرات على مستوى الممارسات الحالية، سيستمر البلاستيك في التراكم في البيئة، ولا سيّما المحيطات، ما يترتب على ذلك عواقب سلبية وخيمة على النظام البيئي والمجتمع. وقد تعهدت العديد من العلامات التجارية العالمية الكبرى خلال السنوات الثلاث الماضية بزيادة محتواها من البلاستيك المعاد تدويره إلى 20-30٪ بحلول عام 2025. ومع ذلك، هناك فجوة متوقعة تبلغ 6.3 مليون طن في سلسلة توريد المحتوى المعاد تدويره من المواد البلاستيكية حتى تتمكن العلامات التجارية العالمية من الوفاء بتعهداتها. وتساعد منصتنا من خلال معاييرها الموحّدة والمتكاملة لقياس واعتماد وضمان جودة المواد البلاستيكية المعاد تدويرها، الشركات في الحصول على احتياجاتها من المواد البلاستيكية المعاد تدويرها للوفاء بالتزاماتها المتعلقة بزيادة نسبة البلاستيك المعاد تدويره في منتجاتها. وسيؤدي ذلك إلى إحداث تأثير اقتصادي إيجابي وخلق المزيد من فرص العمل فضلاً عن تعزيز الابتكار والحد من التلوث البلاستيكي.

ومن شأن تعزيز الالتزام بأخلاقيات المسؤولية المجتمعية المشتركة إلى جانب توفير البنية التحتية اللازمة لتجميع النفايات القابلة لإعادة التدوير ومعالجتها، أن يساهم في تمكين الدول من إرساء أسس متينة للمستقبل. وبالتزامن مع الروح العالية التي يظهرها الشباب اليوم لمواجهة التحدي المتمثل في حماية الأرض من التلوث البلاستيكي، لا تزال هناك حاجة ماسة أيضاً لإحداث تحولات في سلوكيات الإنتاج والاستهلاك وإدارة النفايات.

(*) مدير عام شركة ريباوند المحدودة

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

شاهد أيضاً
إغلاق
زر الذهاب إلى الأعلى