جدوى للاستثمار: هل تبلغ أسعار النفط مستوى الـ 100 دولار؟

الانتعاش الأخير في أسعار النفط ناجم عن الطلب بصورة أساسية
قال تقرير حديث لشركة جدوى للاستثمار أن متوسط أسعار خام برنت بلغ نحو 74 دولاراً للبرميل في الربع الثالث لعام 2021، مرتفعةً بنسبة 7 في المئة ، على أساس ربعي، وبنسبة 71 في المئة عن مستواها في نفس الفترة من العام الماضي. واستمر انتعاش أسعار خام برنت في الربع الرابع، حيث ارتفع المؤشر بنسبة 10 في المئة إضافية عن مستويات سبتمبر. ورغم أن بعض مشاكل الإمداد في الخليج الأمريكي (للمزيد من التفاصيل، الرجاء الاطلاع على أحدث تقرير لنا عن الموجز البياني للاقتصاد السعودي) قد أسهم في رفع الأسعار خلال الشهرين الماضيين، إلا أن الانتعاش جاء بالدرجة الأولى نتيجة للطلب. وبشكل أكثر تحديداً، وفقاً لأوبك، ارتفع الطلب على النفط بنسبة 3 في المئة ، على أساس ربعي، في الربع الثالث، ليصل إلى 98,3 مليون برميل في اليوم، حيث ساعد انطلاق عمليات التطعيم عبر العالم على تخفيف القيود على الحركة، وساهم في رفع استهلاك وقود النقل (وقود الطائرات والبنزين) ليقترب من مستويات ما قبل الجائحة.
هل تسجل أسعار النفط المزيد من الارتفاعات في المدى القريب:
بناءً على أحدث بيانات لأوبك، يتوقع أن يرتفع الطلب في الربع الرابع لعام 2021 بنسبة 2 في المئة أو 1,5 مليون برميل يومياً، على أساس ربعي، والذي سيتم تغطية معظمه بالزيادة الشهرية المقررة من أوبك وحلفائها لإنتاج النفط والبالغة 400 ألف برميل يومياً. مع ذلك، ربما تواصل التطورات الإضافية في سوق الغاز انعكاسها على ارتفاع الطلب على النفط. وفقاً لتقرير أسواق الغاز الصادر من وكالة الطاقة الدولية، تشير المنحنيات الآجلة إلى أن متوسط أسعار مؤشر TTF الهولندي سيبلغ 24 دولاراً لكل مليون وحدة حرارية بريطانية (ما يعادل 139 دولاراً لكل مكافئ برميل نفطي خلال الربع الرابع، والآن يتوقع استمرار أسعار الغاز المرتفعة في الربع الأول لعام 2022. إضافة إلى ذلك، تشير وكالة الطاقة الدولية إلى أن مستويات مخزون الغاز في مراكز الطلب الرئيسية أقل بكثير عن المستويات المعتادة، حيث تقل مستويات التخزين في أوروبا بنسبة 16 في المئة عن متوسط آخر خمس سنوات، وتقل في الولايات المتحدة بنسبة 7 في المئة ، وفي اليابان تقل بنسبة 17 في المئة ، وستزيد جميع تلك التراجعات من إمكانية زيادة استبدال الغاز بالسوائل. جدير بالذكر أن بعض التقديرات تشير إلى أن القفزة الأخيرة في أسعار الغاز أدت إلى زيادة الطلب على النفط بنحو 500 ألف برميل يومياً لاستخدامه في توليد الكهرباء.
في غضون ذلك، بعد فترة من الصراع المدمر، أصبحت ليبيا قادرة على جعل إنتاج النفط مستقراً خلال عام 2021، عند حوالي 1,2 مليون برميل يومياً في الفترة من بداية العام وحتى سبتمبر، بزيادة سبع مرات عن حجم الإنتاج في نفس الفترة من العام الماضي. مع ذلك، تطورت بعض الخلافات مؤخراً (بين وزارة النفط الليبية والشركة الوطنية للنفط)، ورغم بقاء الإنتاج مستقراً، لكن الخطر يكمن في احتمال تدهور الوضع السياسي الهش، مع اقتراب البلاد من الانتخابات في نهاية هذا العام. وبشكل أكثر تحديداً، تتمثل المخاطر في احتمال إقدام مجموعات مسلحة أو محتجين على إغلاق المنشآت النفطية، كما فعلوا مراراً وتكراراً خلال العقد الماضي، للضغط من أجل تحقيق مطالب سياسية أو اقتصادية. لذا، من الواضح أن أي اضطراب كبير وطويل الأمد في الشهور القادمة، سيزيد من تشديد أسواق النفط.
ليست جميع المخاطر باتجاه الصعود:
رغم أن العوامل المذكورة أعلاه تزيد من مخاطر ارتفاع أسعار النفط في المدى القريب، إلا أن هذا الأمر ليس مضموناً بأي حال من الأحوال. وفي الحقيقة، هناك عدد من التطورات ربما تبطئ، على أقل تقدير، الزخم التصاعدي في أسعار النفط. أولاً، خفت حدة ارتفاع أسعار الغاز الأوروبي قليلاً خلال الأيام القليلة الماضية، نتيجة لتصريح روسيا (التي توفر نحو 50 في المئة من غاز المنطقة) بأنها ستسحب بعض الغاز من المخزون للمساعدة في استقرار السوق، حيث تقدر وكالة الطاقة الدولية أن روسيا تستطيع زيادة صادرات الغاز بنسبة 15 في المئة تقريباً. في الوقت نفسه، تعمل المفوضية الأوروبية على الإعلان عن عدد من التدابير لمعالجة أزمة الطاقة. وبحسب الأنباء، فإن أحد المقترحات يتضمن مشروعاً طوعياً مشتركاً لمشتريات الغاز بهدف بناء احتياطيات استراتيجية.
رغم المخاطر حول إمدادات النفط الليبية، نلاحظ أنه لا يزال لأوبك وحلفائها مستويات معقولة من الطاقة الاحتياطية لإنتاج النفط التي يمكن استخدامها في فترة زمنية قصيرة. بلغ متوسط إنتاج أوبك وحلفائها 37,7 مليون برميل في اليوم خلال الربع الثالث (وقد بلغت نسبة الالتزام 117 في المئة فوق مستويات الإنتاج المتفق عليها)، ما يعني أن هناك طاقة احتياطية تصل إلى 6 مليون برميل يومياً (باستثناء إيران) متوفرة لدى الـ 20 دولة. وبناءً عليه، إذا رأت أوبك وحلفائها أن هناك حاجة إلى مزيد من النفط، فربما يقرر التحالف زيادة الإنتاج بمستوى أكبر من حجم الزيادة المتفق عليها حالياً والبالغة 400 ألف برميل يومياً في اجتماعهم القادم مطلع نوفمبر.
هل سيشهد عام 2022 ارتفاعاً في الأسعار؟:
بعد المدى القريب جداً، هناك عدد من العوامل ربما تؤثر على أسعار النفط عام 2022. في الواقع، سيؤدي التعافي المستمر في الاقتصاد العالمي، تماشياً مع ارتفاع معدلات التطعيم، وفقاً لبيانات أوبك، إلى دفع الطلب على النفط إلى أعلى مستوى له على الإطلاق بنهاية عام 2022، ليصل إلى 102,9 مليون برميل يومياً، بزيادة 4,6 مليون برميل يومياً عن الطلب في الربع الثالث 2021 الذي كان عند 98,3 مليون برميل يومياً. لذا، في الوضع الحالي، فإن لدى أوبك وحلفائها طاقة احتياطية كافية (حوالي 6 مليون برميل في اليوم) لزيادة الإنتاج وتلبية مستويات الطلب المتوقعة، باستثناء حدوث أي انقطاع للإمدادات غير متوقع .
في غضون ذلك، رغم الارتفاع الأخير في أسعار النفط، لم تجري إدارة معلومات الطاقة (الأمريكية) أي تعديلات رئيسية بالرفع على توقعاتها لإنتاج النفط الأمريكي. وتشير بيانات إدارة معلومات الطاقة، إلى أن إنتاج النفط الأمريكي بقي فعلياً دون تغيير، عند 11 مليون برميل يومياً منذ بداية العام، وارتفع بنسبة 2 في المئة فقط، على أساس سنوي، خلال الربع الثالث 2021. علاوة على ذلك، لا تزال إدارة معلومات الطاقة تتوقع أن يأتي إنتاج النفط الأمريكي في نهاية عام 2022 أقل بنسبة 7 في المئة مقارنة بذروة الإنتاج في عام 2019.
كما أوضحنا في تقرير السابق عن تطورات أسواق النفط، الآن يبدو أن شركات إنتاج النفط الأمريكية المدرجة في أسواق الأسهم أكثر حرصاً على استخدام أي عوائد من ارتفاع أسعار النفط في تسديد الديون و/أو تمرير تلك المكاسب إلى المستثمرين من خلال توزيعات أرباح. مع ذلك، هناك زيادة كبيرة في عدد منصات الحفر التابعة لشركات خاصة مما ساعد بدوره في دفع إنتاج النفط في أكبر حقل لإنتاج النفط الصخري- حوض بيرميان- ليقترب من مستويات ما قبل الجائحة. ويعتبر حقل بيرميان موقع جذاب بصورة خاصة لزيادة إنتاج النفط، بسبب انخفاض تكلفة التعادل (تتراوح بالنسبة لخام غرب تكساس بين 46 إلى 53 دولاراً للبرميل، حسب استطلاع حديث أجراه مركز دالاس للطاقة)، إضافة إلى ارتفاع معدلات إنتاج النفط من المنصة الواحدة بصفة عامة. لذلك، كلما طال بقاء أسعار النفط مرتفعة، كلما زاد احتمال وصول كميات أكبر من النفط الصخري الأمريكي إلى الأسواق. وفي الحقيقة، جدير بالذكر أنه في يناير 2020 (قبيل تفشي جائحة كوفيد-19، وعندما كان خام غرب تكساس يتداول بنحو 60 دولاراً للبرميل)، كانت إدارة معلومات الطاقة تتوقع ارتفاع إنتاج النفط من حقل بيرميان بحوالي 800 ألف برميل يومياً، على أساس سنوي، في إشارة واضحة إلى إمكانية زيادة إنتاج النفط من هذه المنطقة.
توقعات أسعار النفط:
بصفة إجمالية، حالياً يتداول خام برنت عند 85 دولاراً للبرميل، وهناك إمكانية كبيرة بأن يرتفع أكثر في المدى القريب، في حال تسارع استخدام النفط الخام محل الغاز خلال شهور الشتاء. إذا اقترن هذا التسارع بأي انقطاع غير مخطط له في إنتاج النفط الخام (من ليبيا، مثلاً)، ربما يدفع بأسعار النفط باتجاه مستوى الـ 100 دولار للبرميل. مع ذلك، فإن مثل هذا المستوى المرتفع من الأسعار سيدفع على الأرجح أوبك وحلفائها للتحرك وزيادة إنتاج النفط فوق المستويات المقررة حالياً لخلق الاستقرار في أسواق النفط، كما أنه سيشجع في الغالب على ارتفاع معتدل في إنتاج النفط الصخري في المدى القريب. إضافة إلى ذلك، وحيث أن أوبك تتوقع في الحقيقة تراجعاً، على أساس ربعي، في طلب النفط العالمي (بنسبة 2 في المئة ) خلال الربع الأول لعام 2022 (قبيل أن يرتفع إلى أعلى مستوى له على الإطلاق بحلول الربع الرابع 2022)، فسيؤدي ذلك إلى زيادة إضعاف احتمالية بقاء أسعار النفط عند 100 دولار لفترة طويلة (في حال بلوغها هذا المستوى) بعد المدى القريب.
والحال كذلك، بينما نقر بأن هناك مخاطرة بأن تأتي الأسعار الفعلية أعلى من تقديراتنا لسعر خام برنت بالنسبة لعام 2021 ككل عند 67 دولاراً للبرميل، أبقينا على توقعاتنا لخام برنت لعام 2022 ككل دون تغيير عند 65 دولاراً للبرميل، في الوقت الراهن.