تسويق “الجوع”
محمد اليامي
فيما يتعلق بالطعام والأكل و”أنظمة” تخفيف الوزن لدي قناعة ثابتة بمقولة أظنها لبرنارد شو ومفادها أن أفضل تمرين لتخفيف الوزن هو تحريك رأسك من اليمين إلى اليسار ومن اليسار إلى اليمين، كلما وضعوا أمامك طعاما دسما، أو لعله قال طعاما لذيذا.
أتأمل فيمن حولي من الرجال وقد شقت عليهم بطونهم، ولم تعد المسألة تتعلق بالرياضة والحمية، الحمية التي ثبت تاريخيا أنها رأس الدواء، بل بأنظمة لها مسميات، أحدها للبروتين بدون الكربوهيدرات، وثانيها لكذا دون كذا، وبأسماء أصبحت “موضة” أكثر منها قناعة، وبدلا من الجملة الشهيرة التي وردتنا من الدراما المصرية “أنا عاملة ريجيم”، باتت الجملة المقابلة لدى الرجال “أنا عندي كيتو”، ولا أعرف هل النظام خاص بهم أم أنه يصلح للجنسين.
في ثنايا الأحاديث سمعت كلمة ” الصوم المتقطع” أي إطالة المدى بين وجبتين، ولا أعرف لماذا لا يصومون صيام التطوع في الأيام المستحبة مثلا لتحقيق هدف الرشاقة مع اكتساب الأجر، وعيش تجربة الصوم الحقيقة التي ترتكز على الجوع كمهذب للنفس، وقاهر للشهوات وربما مطهر للروح كما يصفه “هيبا” بطل رواية “عزازيل” ليوسف زيدان.
الأمر لا يخلو من التسويق، تسويق الفكرة أو الأفكار عالميا، ويظل هذا الإنسان يراوح بين “الأنظمة” الغذائية – إن صح أنها مغذية بالفعل – منفقا مالا وجهدا ووقتا على شيء أو أشياء بسطها له دينه ونبيه عليه أزكى الصلوات، وكرستها ثقافته المحلية المتوارثة من أبيه وجده القريب، ثقافة الأكل على قدر الحاجة، وبذل الجهد البدني اللازم، وانتقاء ما يأكل من طبيعته ومطبخ بلاده أو أسرته.
الجوع صيدلية حقيقية، اتفقت معظم الأمم على مر التاريخ على فاعليته وتفنن العباد والزهاد وأهل الأدب في ذكر محاسنه، فابن خلدون يقول في المقدمة “واعلم أن الجوع أصلح للبدن من إكثار الأغذية بكل وجه، لمن قدر عليه، وأن له أثرا في الأجسام والعقول في صفائها وصلاحها”، واليوم يقدر البعض عليه ضمن برنامج مدفوع لجهة ترسل له طعامه، لكنه لا يقدر عليه ضمن إرادة شخصية ذاتية يطبقها ببساطة.
إحدى أهم ملامح هذه المرحلة الاستهلاكية هي حاجة البعض أن يكونوا ضمن “مستهلكي” شيء ما، ليس بالضرورة سلعة، أو خدمة، بل حتى بعض المفاهيم والأفكار التي تبدو غير منطقية أحيانا لبعض آخر لا نعرف إن كانوا محقين أم أنهم فقط “يغارون” من اندماجهم في “العولمة”.
إنه نجاح التسويق، تسويق المفهوم، ثم تسويق منتجات ترتبط به لفترة حتى ظهور الموضة المقبلة.