تغيّر مشهد تجارة التجزئة في ظل أزمة “كوفيد-19”
بقلم فراس جاد الله (*)
من الصعوبة بمكان التسليم بتغير مشهد تجارة التجزئة بشكل جوهري، وانتقاله من قطاع سهل التداول إلى صناعة تنطوي للعديد من إجراءات الإغلاق، والتباعد الجسدي، وغيرها من القيود الصارمة بسبب تفشي جائحة “كوفيد-19″، وذلك خلال الأشهر الستة الماضية فقط. وبالتزامن مع انتشار الفيروس في بعض المناطق بشكل غير متوقع، باتت الشركات تبذل جهوداً جبارة للحفاظ على مسيرة أعمالها. في الوقت الذي تعين فيه على المستهلكين تخطي سلوكياتهم البديهية غير المسؤولة أثناء التسوق، والتي اكتسبوها خلال فترة الإغلاق، لصالح الشعور بالأمان والاطمئنان عند قيامهم بالتسوق.
وقد أظهرت نتائج دراسة خاصة أجرتها شركة “جينيتك”، بأن 48 بالمائة من المشاركين لم يتبعوا الإجراءات الوقائية خلال فترة انتشار الوباء، وأن غالبيتهم لا يثقون بمدى فعالية إجراءات التباعد الجسدي المطبقة حالياً. ومع ذلك، ينبغي على تجار التجزئة العمل على تحسين مستوى تجاربهم داخل المتجر عبر تعزيز قدرات حلولهم الأمنية، لا بهدف إيجاد بيئة صحية وآمنة فحسب، بل وممتعة أيضاً، رُغم الحاجة لاستخدام أدوات الوقاية (كالأقنعة، والقفازات، ومواد التعقيم، ..إلخ)، وتطبيق إجراءات التباعد الجسدي الإلزامية.
كما أظهر الاستطلاع ذاته أن “تجارب العملاء الأفضل” و”سلامة الزائر” هي من العوامل الهامة بالنسبة لتجار التجزئة الذين يخططون لتحسين مستوى الحلول الأمنية التي يستخدمونها حالياً. إذاً، كيف باستطاعة التكنولوجيا مد يد العون لهم في هذا الإطار؟
وانطلاقاً من التقنيات الأمنية التي بحوزتهم حالياً، بإمكان تجار التجزئة استثمار حزمة من الحلول المصممة لدعم تطبيقهم لإجراءات التباعد الاجتماعي، وإدارة الحدود المسموحة للإشغال المكاني، وضمان تنفيذ كافة بروتوكولات التعقيم المنصوص عليها، فالاستعانة بنظام أمني مفتوح المصادر سيمكن الأجهزة والتطبيقات الواجب استخدامها في متاجر البيع بالتجزئة من العمل بأمانٍ تام.
من جهةٍ أخرى، وبالتزامن مع تغير احتياجات ومتطلبات العملاء بوتيرة متسارعة، يتردد العديد من تجار التجزئة في نشر الحلول الجديدة التي قد تصمد، أو لا تصمد، أمام عامل الزمن، فهم يترددون في تخصيص جزء كبير من استثماراتهم في تكنولوجيا قد لا تُستخدم بعد انقضاء الجائحة. لكن لحسن الحظ، هناك العديد من التقنيات المجربة التي تعتمد على الأجهزة، وبشكل خاص على قدرتها في تجميع البيانات ضمن نظام موحد ومفتوح المصادر، ومستخدَم من قبل الكثير من الشركات.
ويمكن نشر هذه المنصات الموحدة بسهولة تامة وربطها مع شبكة الكاميرات الموجودة، والوصول إليها بمرونة عالية للمساهمة في توحيد عمليات المراقبة، والاستجابة، والإبلاغ، وأتمتة إجراءات التشغيل القياسية SOP. وفي ظل تغير بيئة وطبيعة موجات التهديد، أصبح بإمكان تجار التجزئة تحديث إجراءات التشغيل الموحدة SOP، المطبقة من قبلهم، لتواكب المتطلبات الجديدة على غرار التباعد الاجتماعي، وبروتوكولات العقامة، ومزايا ذكاء الأعمال التي ستعود بالفائدة الجمّة، وبشكل مباشر، لسير العمليات وجني الإيرادات على المدى الطويل.
ضمان التباعد الآمن
تتمثل الأولوية القصوى بالنسبة لتجار التجزئة في تحديد وتطبيق إرشادات الإشغال، وتوجيه عملياتهم للحد من مخاطر عدوى وانتقال فيروس “كوفيد-19”. ولفرض تطبيق هذه الإجراءات القسرية، يتوجب عليهم معرفة عدد الأشخاص المتواجدين داخل متجرهم بأي لحظة، ومراقبة البيانات باستمرار، واتخاذ الإجراءات اللازمة عند تجاوز الحدود الموضوعة. وتتيح القدرات الجديدة والمتطورة التي توفرها حزمة حلول إدارة الإشغال (Occupancy Management Package) من “جينيتك” للمتاجر إمكانية العمل ضمن حدود كثافة الإشغال المعمول بها، وفي الوقت ذاته الاستفادة من الأنظمة الموجودة للتكييف مع الاستراتيجيات الموضوعة، والاستجابة للمخاطر الجديدة.
وبإمكان هذا الحل حساب عدد الأشخاص المتواجدين في المتجر، وعرض البيانات بشكل تصويري، وإرسال تنبيهات للموظفين لدى وصول الإشغال إلى حدوده القصوى. وبالإضافة إلى توفيرها القدرة على الامتثال بدرجة عالية للإجراءات المطبقة محلياً، تتميز هذه المنهجية بكونها أقل كلفةً بكثير من اللجوء لتعيين موظفين متخصصين في العد، وبالتالي فإنها تؤمن عوائد فورية ومباشرة على الاستثمار. فضلاً عن كونها أقل عرضةً للخطأ مقارنة بطرق العد البشرية.
علاوةً على ما سبق، بالإمكان إعداد وتهيئة أنظمة إدارة الفيديو وفقاً لسياسة “المدخل الواحد، المخرج الواحد” للتحكم في الوصول، حيث يتم إعلام المتسوقين المنتظرين خارج المتجر متى يُسمح لهم بالدخول إلى المتجر عبر جهاز عبور مشابه لـ “إشارة المرور” (على سبيل المثال). وبفضل هذه التقنية، يصبح بإمكان بائع التجزئة تجنب الازدحام والإشغال الزائد دون الحاجة لتعيينه موظف خاص عند مدخل المتجر، والقضاء على مخاطر حدوث مشاحنات محتملة مع المتسوقين بسبب الانتظار. وتعد مثل هذه المنهجيات والطرق أكثر ملاءمةً للتعامل مع العملاء، وذلك لدى مقارنتها مع بعض الأساليب المزعجة التي تفرض استخدام عربة التسوق (سواءً كنت بحاجتها أم لا) من أجل حساب عدد العملاء، وقياس معدل إشغال المتجر.
وفي خضم هذه الفترة التي يسودها الشك والخوف من الإصابة بالعدوى، والقلق من الآثار المترتبة على العمل بشكل متقطع، سيتمكن تجار التجزئة الذين يحققون معايير الصحة والسلامة والأمن، من أجل خلق تجربة شراء آمنة وممتعة ومقنعة، من اجتياز هذه المرحلة بأمان. وتشير جملة الإجراءات غير المسبوقة التي قمنا بتطبيقها بهدف حماية مجتمعاتنا ضد جائحة “كوفيد-19″، إلى أنه لا يمكن تقييد تجار التجزئة عن العمل نظراً لعدم قدرة الحلول على حمايتهم وفقاً لتغير الظروف. حيث بات بإمكان الشركات حالياً الاستثمار في التقنيات القادرة على حماية العملاء والموظفين في آن واحد، علماً أن ذات التقنيات ستوفر المعلومات الاستقصائية والرؤى المدروسة بعد انقضاء موجة التهديد الحالية. واليوم، يتوجب على الشركات التي تقف على تماس مباشر مع العملاء الاستعانة بنظام تحكم أمني (ذو مصادر مفتوحة) على أرض الواقع، كي تتسنى لهم المرونة الكافية لتحديد الأجهزة التي بإمكانها خدمتهم على الشكل الأفضل. ورغم عدم وضوح الرؤية حول المتطلبات المستقبلية، إلا أننا ندرك تماماً أن امتلاك القدرة على تبني ونشر التقنيات الجديدة، بسرعة وفعالية، سيلعب دوراً جوهرياً في الحفاظ على أمن المتسوقين، والموظفين، ومجتمعاتهم في وقتنا الراهن، وتعزيز نمو وازدهار الأعمال على المدى الطويل.
(*) المدير الإقليمي في الشرق الأوسط وتركيا وأفريقيا لدى شركة “جينيتك”