صحة

رحلة السكري: العوامل الجينية وتحديات يومية في مواجهة المرض


بات مرض السكري من النوع الأول رحلة يومية مليئة بالتحديات والتكيف. فهذا المرض المناعي الذاتي، الذي يهاجم فيه الجهاز المناعي خلايا بيتا في البنكرياس، المسؤولة عن إنتاج الإنسولين، يترك المصابين بدون هذا الهرمون الحيوي الذي ينظم مستويات السكر في الدم، مخلفًا أعراضًا كثيرة مثل العطش الشديد والتبول المتكرر والإرهاق. وتتراوح عوامل الإصابة بين الاستعداد الجيني والمحفزات البيئية مثل الالتهابات الفيروسية، مما يجعل فهمها أساسيًا لتحسين استراتيجيات التشخيص والإدارة.
في حديث له، يوضح الدكتور محمد السفياني، استشاري الغدد الصماء والسكري بجامعة الملك سعود، أن العوامل الجينية والوراثية تلعب دورًا مهمًا في الإصابة بمرض السكري من النوع الأول، مشيرًا الى أن بعض الأشخاص لديهم استعداد وراثي يجعلهم أكثر عرضة للإصابة. ويتضح هذا الاستعداد بشكل خاص في دول الخليج، حيث يتشارك السكان – في غالبيتهم – في أجزاء من التركيبة الجينية، مما يفسر ارتفاع معدلات المرض في المنطقة.
من الناحية العلمية، يبدأ الجهاز المناعي بإنتاج أجسام مضادة تدمر خلايا بيتا، مما يوقف إنتاج الإنسولين تمامًا. وتزعم بعض الفرضيات أن هذا الخلل يرتبط بشكل أو بآخر بالتهابات فيروسية معينة، لكن العلم لم يصل بعد إلى إجابة قاطعة. ويدفع هذا اللّغز الطبي الباحثين لمواصلة الدراسات، على أمل كشف المزيد عن هذه المحفزات الغامضة.
للمصابين بالسكري من النوع الأول، الحياة ليست مجرد مواجهة للأعراض، بل إدارة مستمرة ودقيقة، حيث يتطلب المرض مراقبة مستويات السكر في الدم عدة مرات يوميًا، وحقن الإنسولين بانتظام، وتخطيط الوجبات بعناية. ويؤكد الدكتور السفياني أن السكري من النوع الأول لا يميّز بين الفئات العمرية، فقد يصيب الأطفال والبالغين وحتى كبار السن، مما ينفي الاعتقاد الشائع بأنه مرض يشخّص لدى الأطفال فقط. وهذا التنوع في الفئات العمرية يضيف مزيدًا من التعقيد، حيث يواجه كل مصاب تحديات تتناسب مع مرحلته الحياتية، سواء كان طالبًا يحاول موازنة الدراسة والعلاج، أو شخصًا بالغًا يدير مسؤوليات العمل والأسرة.
ويشير الدكتور السفياني إلى أن السكري من النوع الأول والثاني قد يتشاركان أعراض ارتفاع السكر في الدم، لكنهما مختلفان جوهريًا. فالنوع الثاني يبدأ في الغالب بمقاومة الجسم للإنسولين، ويرتبط في كثير من الحالات بنمط الحياة، مثل النظام الغذائي غير الصحي أو قلة النشاط البدني. ومع مرور السنين، قد يضعف البنكرياس في إنتاج الإنسولين، مما يستلزم العلاج بالإنسولين في مراحل متقدمة. لكن، كما يوضح السفياني، حتى مع استخدام الإنسولين، لا يتحول النوع الثاني إلى النوع الأول، لأن الأجسام المضادة التي تميّز النوع الأول غائبة.
على الصعيد العلمي، يواصل الباحثون استكشاف المحفزات البيئية التي تُطلق المرض، بهدف تطوير استراتيجيات وقائية أو علاجات مبتكرة، على أمل أن تغيّر هذه الأبحاث يومًا ما طريقة التعامل مع السكري من النوع الأول، مما يمنح المصابين فرصة للعيش بدون القيود التي يفرضها المرض.
السكري من النوع الأول هو أكثر من مجرد تشخيص طبي؛ إنه اختبار يومي للإرادة والصمود. في مجتمع يزخر بالمناسبات الاجتماعية والتقاليد الغذائية، يحتاج المصابون إلى دعم مجتمعي وطبّي قوي. ومع استمرار التقدم العلمي والتكنولوجي، يبقى الأمل قائمًا بمستقبل يصبح فيه هذا المرض أقلّ وطأة، ويمكن للمصابين عيش حياة طبيعية، متجاوزين الحواجز التي يضعها المرض في طريقهم.

وقالت لمى صالح، مدير عام الأدوية العامة للمملكة العربية السعودية ودول الخليج في سانوفي أن هذه لحظة أمل. من خلال دعم الفحص المبكر والعمل قبل تطور مرض السكري من النوع الأول ، فإننا نساعد في تغيير طريقة إدارة المرض في المملكة. نحن نستعيد اللحظات الثمينة – ما يقرب من 1,000 يوم أخرى بدون الأنسولين – في حياة المرضى وعائلاتهم التي يمكن أن تضيع بسبب مرض السكري المناعي الذاتي من النوع الأول.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى