الذكاء الاصطناعي يُحدث ثورة في الرعاية الصحية وعلم الجينوم
خبراء عالميون يكشفون عن تقدم كبير في الأبحاث والأدوية المدعومة بالذكاء الاصطناعي

بعيداً عن حالات الاستخدام العديدة للذكاء الاصطناعي التي نراها في مختلف الصناعات، سلط المتخصصون في المجال الطبي الضوء على الدور الحاسم للذكاء الاصطناعي في إعادة صياغة قواعد علم الجينوم في قطاع الرعاية الصحية، ويحدث ثورة في رعاية المرضى، وكان ذلك من أبرز النقاط التي تمت مناقشتها ضمن فعاليات قمة ومعرض “عالم الذكاء الاصطناعي 2025″، التي اختتمت أعمالها الأسبوع الفائت.
استعرض الحدث البارز، الذي نظمه مركز دبي التجاري العالمي بالتعاون مع جيتكس جلوبال، الإمكانات التحويلية التي يمتلكها الذكاء الاصطناعي وقدرته على إحداث التغيير في مختلف القطاعات. وقد سلط الضوء على وجه الخصوص على قدرة الذكاء الاصطناعي على تطوير كفاءة أنظمة الرعاية الصحية وتشكيل مستقبل علم الجينوم، وتقديم حلول مبتكرة لمجموعة من التحديات الهامة التي يشهدها القطاع. مثل فهم وتوقع الأنماط المخفية في مجموعات بيانات الجينوم المتقدمة – مما يجعل من الممكن تشخيص وعلاج الأمراض بدقة أكبر من أي وقت مضى.
توظيف الذكاء الاصطناعي لتطوير علم الجينوم والرعاية الصحية
كان الذكاء الاصطناعي بالنسبة للرعاية الصحية، بمثابة عامل تغيير بارز، حيث قدم الدعم اللازم للأعمال في النظام الصحي وتوفير الرعاية. مع الإمكانات الهائلة في المستقبل، أكد بول جونز، الرئيس التنفيذي لشركة “بيوفارما سولوشينز” (BioPharma Solutions) و (AI Life Sciences) لدى “إم فورتي تو” (M42)، الشركة الرائدة عالمياً في مجال تكنولوجيا الرعاية الصحية المدعومة بالذكاء الاصطناعي، على دور الذكاء الاصطناعي في تحويل التركيز من العلاج التفاعلي إلى الكشف المبكر الاستباقي.
وأوضح جونز، قائلاً: “ربما نفهم أقل من 1٪ مما هو موجود في علم الجينوم ولا يزال هناك 99٪ لم يتم اكتشافها. لذلك فإن الجهود في مجال البحث تحظى بأهمية بالغة، لأننا بحاجة إلى التخلص تدريجياً من نسبة 99٪ حتى نحظى بقيمة أكبر. إذا كان ممكناً توجيه التركيز نحو الاكتشاف المبكر والوقاية بالاعتماد على الذكاء الاصطناعي، فمن الممكن البدء في تقسيم أجندة الصحة والرعاية والتركيز على المبادرات الصحية وهذا هو التركيز المهم حقاً الذي بدأنا نرى أين يمكننا تطبيق هذه التوقعات”.
وانضم إلى جونز في الجلسة الحوارية نفسها، البروفيسور علي رضا حقيقي، الرئيس التنفيذي والمدير المؤسس لمركز كلية الطب بجامعة هارفارد الدولي للأمراض الوراثي، والباحث الرئيسي ومدير مشروع الجينوم الوطني للبحرين في هارفارد، حيث شارك خبراته في مجال علم الجينوم المتطور.
وأكد البروفيسور حقيقي على قدرة الذكاء الاصطناعي في إحداث نقلة هائلة للوقاية من الأمراض. وقال: “نحن محظوظون للغاية لأننا نعيش في هذا العصر، حيث يمكننا على الأرجح أن ننظر إلى الطب الحديث باعتباره الإنجاز البشري الأكثر أهمية. لدينا الآن إمكانية الوصول إلى أدوات قوية يمكنها تغيير اللعبة. ولأول مرة في التاريخ، نحصل على المساعدة من التكنولوجيا ولا نفتقر إلى البيانات. وبناء على ذلك، فلنأخذ 1% من علم الجينوم، الذي لا نعرف الكثير عنه، ولكن هذا هو المجال الذي يمكن أن يكون الذكاء الاصطناعي حاضراً فيه لصياغة السياسات والمساهمة في اتخاذ القرارات القائمة على البيانات من جانب صانعي السياسات. وعندما يتعلق الأمر بعلم الجينوم، فإن الذكاء الاصطناعي يمثل أداة مذهلة وقوية، حيث لا يقتصر دوره على مساعدة الأطباء في التنبؤ بالأمراض المحتملة، بل وفي منعها أيضاً”.
لقد اتخذت دولة الإمارات العربية المتحدة بالفعل خطوات جريئة في مجال علم الجينوم من خلال برنامج الجينوم الإماراتي، إحدى أكبر المبادرات من نوعها في العالم والتي سجلت إنجازاً رئيسياً في جمع 500 ألف عينة جينية في العام الماضي، مما مهد الطريق لحلول الرعاية الصحية الشخصية المصممة خصيصاً للمواطنين الإماراتيين.
الشراكات الاستراتيجية مفتاح تطوير الرعاية الصحية
تأكيداً على أهمية التعاون في الجهود الصحية العالمية، أفاد الدكتور حقيقي أن 4.5 مليار شخص في جميع أنحاء العالم ما زالوا يفتقرون إلى الوصول إلى خدمات الرعاية الصحية الأساسية. وأشار إلى الدور الحاسم للشراكات في إغلاق هذه الفجوات، وشدد على الحاجة الماسة للتعاون العالمي في معالجة تحديات الرعاية الصحية.
وقال: “الشراكات عامل مهم للغاية لأي تقدم، ولكن عندما يتعلق الأمر بالرعاية الصحية، فإنها تصبح أكثر أهمية. لقد خرجنا للتو من جائحة، وما تعلمناه هو أنه إذا لم يكن صديقك آمناً، فأنت لست آمناً. وهذا ينطبق على علم الأحياء”.
وشدد حقيقي على أنه من أجل وصول البحث والتطوير الطبي إلى أقصى إمكاناته، فإن الترابط والتشغيل المتبادل بين أنظمة الرعاية الصحية يعد أمراً ضرورياً. من خلال تمكين تبادل البيانات والتكامل عبر الحدود، يمكن للباحثين ومقدمي الرعاية الصحية تسريع الاختراقات، ما يجعل التقدم في علم الجينوم ورعاية المرضى متاحاً على نطاق أوسع، الأمر الذي يؤدي بالتالي إلى تقديم علاجات أكثر فعالية وتحسين النتائج الصحية.
وأضاف: “إذا لم تكن لديك معلومات عن عدد السكان في بلدك، أو أي بلد آخر، فلن نتمكن من تحسين أدويتنا. ولهذا السبب نحتاج إلى شراكات للتأكد من توليد بياناتها في كل مكان. وإذا أردنا أن يكون لدينا سكان أصحاء، فنحن بحاجة إلى الشراكات والتأكد من توفر خدمات مختلفة للجميع”.
الروبوتات الدقيقة المستوحاة من العناكب: تعريف جديد للدقة في مجال الجراحة
تضمن معرض “عالم الذكاء الاصطناعي” أبحاثاً رائدة حول الروبوتات الدقيقة من خلال أدوات إمساك عضوية مستوحاة من العناكب الميتة، لاستخراج الخلايا الميتة أو المصابة بأمان، حيث استلهمت من رشاقة العناكب، تجسيداً لدمج الذكاء الاصطناعي والروبوتات والهندسة الحيوية.
يمكن لهذا الابتكار أن يساهم في تطوير الممارسات الجراحية وتوفير بدائل مستدامة للأدوات المعدنية التقليدية، وتقليل تلف الأنسجة وتسريع عملية التعافي.
وقال الدكتور هيماتشاندران كانان، مدير مركز أبحاث الذكاء الاصطناعي بجامعة ووكسين في الهند، وسفير شبكة (AI Frontier Network): “يستغل ابتكارنا تصميم الطبيعة لتقديم إجراءات طفيفة التوغل بدقة لا مثيل لها. ومن خلال دمج أنظمة التحكم التي يقودها الذكاء الاصطناعي مع الهياكل الميتة المهندسة بيولوجياً، فإننا نعزز دقة وقابلية التكيف في العمليات الجراحية الدقيقة بمساعدة الروبوتات. لا يقتصر دور هذا النهج الرائد على تحسين النتائج الجراحية فحسب، وإنما يمهد الطريق أيضاً للتقدم المدعوم بالذكاء الاصطناعي في مجال الروبوتات الطبية، الأمر الذي يضمن مرونة أكبر في إجراء العمليات الجراحية المعقدة مع الحد الأدنى من مدة التعافي بالنسبة للمرضى”.
تسريع المحادثات العالمية الممهدة لقمة ومعرض عالم الذكاء الاصطناعي 2026
من المتوقع أن يصل سوق الذكاء الاصطناعي العالمي في مجال الرعاية الصحية إلى 164 مليار دولار أمريكي بحلول عام 2030، وفقاً لمحللي الأبحاث والأسواق، مما يسلط الضوء على الإمكانات التحويلية للذكاء الاصطناعي في مجال الصحة؛ وإحداث ثورة في رعاية المرضى وتبسيط العمليات لتقليل التكاليف التشغيلية.
يواصل معرض “عالم الذكاء الاصطناعي 2025” بالتعاون مع معرض “جيتكس جلوبال”، أكبر معرض للتكنولوجيا والشركات الناشئة في العالم، دوره باعتباره منصة عالمية لقيادة النقاشات حول مستقبل الذكاء الاصطناعي والصحة الرقمية، من خلال جمع أكبر منظومة للذكاء الاصطناعي، بما في ذلك شركات التكنولوجيا الكبرى والشركات الناشئة الرائدة والمستثمرين والباحثين والمسؤولين الحكوميين.
وبناءً على هذا الزخم، تستضيف قمة ومعرض “جيتكس ديجي هيلث 5.0 آسيا” نسختها الثانية في تايلاند من 10 إلى 12 سبتمبر 2025، بالشراكة مع ميديكال فير، يجمع الحدث ألمع العقول في مجال الصحة الرقمية وعرض أحدث الابتكارات، بدءاً من التشخيص المدعوم بالذكاء الاصطناعي وصولاً إلى المستشفيات الذكية.
وتستمر الحوارات في معرض جيتكس جلوبال في الإمارات العربية المتحدة من 13 إلى 17 أكتوبر 2025، حيث يتوسع التركيز ليشمل ابتكارات أكثر تقدماً في مجال الذكاء الاصطناعي والصحة الرقمية، لترسيخ التطور والتطور العالمي ضمن هذا القطاع.
وبالنظر إلى عام 2026، فإن قمة ومعرض “عالم الذكاء الاصطناعي 2026″، المقرر انعقادها في مركز أبوظبي الوطني للمعارض (أدنيك) بالتعاون مع دائرة الثقافة والسياحة – أبوظبي، ستعزز مكانة دولة الإمارات الرائدة في مجال تطوير الذكاء الاصطناعي. حيث ستواصل النسخة الثانية المرتقبة من الحدث في استمرارية المحادثات البناءة ودفع التعاون العالمي في مجال الذكاء الاصطناعي والصناعات الحيوية، وستكون بمثابة حجر الزاوية لمجتمع الذكاء الاصطناعي الدولي ونظامه البيئي الواسع.