المدن الذكية في الشرق الأوسط: مستقبل التكنولوجيا بين الابتكار والاستدامة
بقلم جميل قعوار، نائب رئيس شركة “ICEYE” لصناعة الأقمار الصناعية، عن منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا
المدن الذكية في جميع أنحاء الشرق الأوسط تشهد ازدهارًا ملحوظًا في الآونة الاخيرة، ما يضع المنطقة على خارطة الابتكار التكنولوجي العالمي، ومع وصول مدن مثل أبوظبي، ودبي إلى مراكز متقدمةٍ في قائمة أفضل المدن الذكية عالمياً (ضمن أفضل 20 مدينة عالمياً بحسب معهد IMD الأكاديمي المستقل)، يجعل هذا المنطقة العربية تسير بخطى ثابتة نحو مستقبلٍ يعتمد على التكنولوجيا لتحقيق الرفاهية المستدامة.
لكن هل يمكننا النظر إلى المدن الذكية على أنّها مجرد تطورٍ طبيعيٍّ؟ أم أنّ هذا التحول يحمل أبعاداً أعمق تستدعي منا وقفة للتفكير في تأثيراته على الحياة اليومية؟
إنّ التكنولوجيا التي تقف وراء المدن الذكية ليست مجرد أدوات ترفيه أو رفاهية؛ إذ إنّها قلب العملية التحوّلية التي تُعيد تشكيل مفهوم “الحياة الحضرية”. فتتضافر تقنيات إنترنت الأشياء، والذكاء الاصطناعي، وشبكات الجيل الخامس لتقديم خدمات أكثر ذكاءً، سواء كانت إدارة المرور أو تحسين جودة الهواء. لكن السؤال الحقيقي هو كيف تستفيد المجتمعات من هذه الحلول؟
تكمن الإجابة في قدرتنا على توظيف هذه التقنيات بشكلٍ يضمن الشمولية، فتحسين تدفق حركة المرور أو توفير الطاقة الموثوقة يجب أن يكون للجميع، وليست لجزءٍ محدد من السكان. وإذا نجحنا في تحويل هذه التقنيات إلى أدوات تمكينية للمجتمعات المختلفة، فإنّنا نكون قد حقّقنا الهدف الحقيقي للمدن الذكية، وهو تحسين جودة الحياة لجميع المواطنين.
ومن بين تلك التقنيات المتقدمة، تبرز الأقمار الصناعية SAR كإحدى الأدوات التي تحمل إمكانات هائلة للمدن الذكية، بفضل قدرتها على العمل في جميع الظروف الجوية والليلية، إذ تُقدّم صوراً دقيقة تُمكّن صُنّاع القرار من اتخاذ إجراءات أفضل وأكثر دقة. سواء كان الأمر يتعلق بمراقبة التغيُّرات البيئية أو إدارة الكوارث، فإنّ SAR يمكن أن يكون عاملاً حاسماً في الحفاظ على استدامة المدن وتطورها.
لكن هل يجب الاكتفاء بقدرة هذه التقنية على تقديم حلولٍ لحظيةٍ؟ أم علينا التفكير بشكلٍ أوسعٍ في توظيف هذه البيانات لتحسين التخطيط الحضري على المدى الطويل؟ فالأقمار الصناعية يُمكنها تقديم رؤى بعيدة المدى حول كيفية تطور المدن، ما يُساعد في منع الأزمات قبل حدوثها، سواء كانت بيئية أو بنيوية، كما تُقدّم بيانات دقيقة حول التأثيرات للمساعدة في الاستجابة السريعة.
ومع التحديات البيئية الكبرى التي تواجه الشرق الأوسط، مثل ندرة المياه وزيادة التحضر، يأتي دور التكنولوجيا في تقديم حلولٍ فعّالةٍ ومستدامة بتتبع التغيرات في مصادر المياه ما يساعد في تحسين توزيعها، ومنع الإفراط في استهلاك الموارد المائية، إضافة إلى إدارة النفايات بالتخطيط الفعّال، وهُنا يمكن أن تلعب الأقمار الصناعية SAR دوراً أساسياً في ضمان أن المدن الذكية لا تكون مجرد مراكز تكنولوجية متطورة، بل نماذج للاستدامة البيئية.
ولا يمكننا تجاهل أنّ التحول نحو المدن الذكية في الشرق الأوسط جزء من التحوّل الاقتصادي الأوسع بعيداً عن الاعتماد على الوقود الأحفوري، فمن خلال استغلال الأقمار الصناعية SAR، يمكن للمدن الذكية أن تصبح مختبرات للابتكار، إذ يُمكن للشركات الناشئة والباحثين تطوير حلولٍ جديدةٍ لتحديات المستقبل، وسيُساهم هذا التحول في بناء اقتصادٍ قائمٍ على المعرفة والابتكار.
والخلاصة أنّ ازدهار المدن الذكية بالشرق الأوسط ليس مجرد موجة عابرة، بل هو تحول جذري يحمل في طياته إمكانات هائلة لتحسين حياة المواطنين، وتحقيق استدامة اقتصادية وبيئية، ومع ذلك يجب أن نكون واعين بضرورة توجيه هذه التكنولوجيا لخدمة المجتمع ككل، وضمان أن هذه الابتكارات لا تكون مقتصرة على فئة محددة. وفي نهاية المطاف، فإنّ المدن الذكية أدواتٌ لبناء مستقبلٍ أفضل وأكثر استدامة، وهذا يتطلب تكامل التكنولوجيا مع رؤية شاملة للمجتمع.