التعافي التدريجي

محمد اليامي (*)
شيئا فشيئا يقل الفاقد النقدي في الدورة الاقتصادية في السوق المحلية مع تراجع معدلات تحويلات الأجانب الذي أتوقع أن يستمر بوتيرة تدريجية نتيجة لكثير من العوامل التنظيمية، وأيضا كنتيجة غير مباشرة للتحولات الثقافية والاجتماعية.
قبل أيام قليلة أعلن تراجع تحويلات الأجانب في السعودية خلال كانون الثاني (يناير) الماضي 16 في المائة على أساس سنوي، لتبلغ نحو 10.52 مليار ريال، مقارنة بنحو 12.52 مليار ريال للفترة المماثلة من العام السابق.
ووفقا لرصد وحدة التقارير في صحيفتنا “الاقتصادية” الذي استند إلى بيانات البنك المركزي السعودي، يتواصل تراجع تحويلات الأجانب على أساس سنوي للشهر التاسع على التوالي، وهي أطول مدة تاريخية.
التنظيمات التي تشهدها السوق خاصة في قطاعات التجزئة والخدمات والمنتجات الاستهلاكية تؤتي ثمارها مع الوقت، ومنها مثالا لا حصرا، الفوترة الإلكترونية، والإلزام بنقاط البيع الذي نحتاج إلى مزيد منه، ومنح فرص تصحيح أوضاع التستر، وغيرها من الإجراءات التي حجمت كثيرا مما نفقده عبر الاقتصاد الخفي، والأعمال التي لا تخضع للرقابة المالية الدقيقة.
العامل الثقافي والاجتماعي سيلعب دوره التدريجي مع الوقت فدخول الشباب من الجنسين إلى مجالات ومهن وظيفية أو حرة كانت تعاني الحاجز الاجتماعي، زاد من فرص بقاء المال متداولا داخل السوق.
أيضا أتوقع أن إيجاد قنوات الاستمتاع بالفنون، وخيارات السياحة المحترفة، وبرامج الترفيه أسهم في جعل الأجانب من ذوي الدخول المتوسطة والمرتفعة ينفقون بعض مداخيلهم محليا، فنحن نعرف أن بعضهم ممن يبحث عن ترفيه بريء كان يذهب في الإجازات القصيرة إلى دول مجاورة لمشاهدة أفلام نزلت حديثا، أو حضور الحفلات، أو التمتع ببعض الأماكن والفعاليات دون أن يتدخل أحد في خصوصيته.
في اقتصاد ديناميكي ينفتح على مجالات أكثر، وينمو باطراد لا بد من وجود الأجانب، ويظل الذكاء في جعل وجودهم إضافة إلى الاقتصاد قدر الإمكان، وجعل جزء من مداخيلهم النظامية والمستحقة نظير أعمالهم أو وظائفهم يدخل في دورة المال محليا.
لا بد للأجنبي أن يرسل بعض المال إلى أهله، وهناك شريحة ليست قليلة منهم تستطيع إرسال ما يكفي، وإنفاق ما يكفي أيضا، وهذه الشريحة هي في الغالب الأكثر نظامية، والأسهل في رصد سلوكها الإنفاقي ورصد مداخيلها، لكونها في الغالب تعمل في وظائف وسطى وعليا في الشركات المحلية أو العالمية.
تدريجيا سنصل إلى التعافي من الاقتصاد الخفي والكسب غير المرصود والحوالات غير النظامية، وهذا لا يعني أن التحويلات ستختفي، لكنها ستصبح معقولة قياسا بتوسع الاقتصاد وفرص الاستثمار والعمل فيه.
(*) كاتب سعودي