كامكو .. تراجع إنتاج النفط وانتعاش الطلب يبعثان بارقة أمل لأسواق النفط المنهارة

الرياض – عبده المهدي
أبدت أسعار النفط علامات تدل على تعافيها من أدنى مستوياتها المسجلة في 22 عاماً وذلك قرابة نهاية شهر أبريل 2020 بعد أن أشارت التقارير إلى توقع انتعاش الطلب خلال النصف الثاني من العام. كما تلقت الأسعار دعماً نتيجة لفرض قيوداً مشددة على العرض من قبل منتجي الأوبك، وخاصة السعودية، بالإضافة إلى تراجع امدادات النفط الصخري الأمريكي على خلفية انخفاض الأسعار. كما أدت أزمة التخزين إلى احداث فوضى في سوق العقود الآجلة للنفط الخام حيث أدى ذلك إلى تحول أسعار العقود الآجلة إلى سلبية للمرة الأولى في التاريخ، هذا إلى جانب زيادة الطاقة الانتاجية لمصافي التكرير والتراجع المفاجئ في المخزونات الأمريكية.
اتجاه أسعار النفط منذ بداية العام
على صعيد الطلب، لا تزال التوقعات الخاصة بالنصف الثاني من العام 2020 غير واضحة المعالم، إلا أن التقديرات المتعلقة بالربع الثاني من العام 2020 تشير إلى تراجع سنوي بنسبة 20 في المائة في الطلب العالمي على النفط، فيما يعد أحد أكبر الانخفاضات المسجلة على الإطلاق. إلا انه على الرغم من ذلك، فقد تم تعديل تقديرات العام بشكل إيجابي مقارنة بمستويات الشهر الماضي. ووفقاً لوكالة الطاقة الدولية، من المتوقع أن يتحسن الطلب العالمي على النفط إلى 91.2 مليون برميل يومياً في العام 2020 مقابل التوقعات السابقة البالغة 90.5 مليون برميل يومياً، بانخفاض قدره 8.6 مليون برميل يومياً. ومن المتوقع أن يؤدي إعادة فتح النشاط الاقتصادي في 23 ولاية أمريكية تمثل 40 في المائة من الطلب على النفط إلى استقرار أسعار النفط. بالإضافة إلى ذلك، من المتوقع أن يزداد طلب الهند على النفط بنسبة 20 في المائة أي ما يعادل 0.65 مليون برميل يومياً في مايو 2020 بعد أن شهد أسوأ مبيعات شهرية منذ أكثر من 12 عاماً. كما يتوقع أن تكون تلك الزيادة مدفوعة ببداية موسم الزراعة بما يؤدي إلى ارتفاع متطلبات الديزل.
وظهر اتجاه جديد في الصين، التي أعادت فتح اقتصادها، يتمثل في تفضيل استخدام وسائل المواصلات الخاصة كبديل عن النقل العام سعياً لتجنب الإصابة بالفيروس. وقد يؤدي ذلك إلى زيادة الطلب على النفط إلى مستويات تفوق التوقعات على المدى القريب وارتفاع الطلب على البنزين. كما تظهر بيانات حركة المرور للمدن الكبرى أيضاً مستويات ازدحام أعلى من فترات ما قبل تفشي الوباء. من جهة أخرى، عززت مصافي التكرير في الصين عملياتها مؤخرا مسجلة زيادة شهرية بنسبة 11 في المائة خلال أبريل 2020 مما يشير إلى انتعاش الإنتاج من أدنى مستوياته المسجلة في 15 شهراً. كما ساهمت الهوامش المرتفعة نتيجة لانخفاض أسعار النفط في دفع المصافي المستقلة في الصين، المعروفة باسم “مصافي أبريق الشاي”، إلى زيادة إنتاجها.
وجاء الارتفاع الأخير في أسعار النفط مدفوعاً بصفة رئيسية بتراجع مستويات العرض التي أعلن عنها منتجو الأوبك، هذا إلى جانب انخفاض الإنتاج من قبل منتجين آخرين. وتعهدت السعودية بتقليص الإمدادات في يونيو 2020 إلى أدنى مستوياتها منذ 18 عاماً، بالإضافة إلى مزيد من التخفيضات من قبل أعضاء الأوبك الآخرين بما في ذلك الكويت والإمارات والعراق ونيجيريا. من جهة أخرى، قامت مجموعة الدول غير الأعضاء بمنظمة الأوبك بخفض الإنتاج بوتيرة أسرع من المتوقع. فوفقاً لوكالة الطاقة الدولية، انخفض الإنتاج من خارج الأوبك بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً في أبريل 2020، ومن المتوقع أن ينخفض الإنتاج في الربع الثاني من العام 2020 بمقدار 6.7 مليون برميل يومياً. كما من المتوقع أن تشهد الولايات المتحدة أعلى معدل تراجع في الإنتاج، وفقاً للوكالة، حيث من المتوقع أن ينخفض إنتاج مايو 2020 بمقدار 1.2 مليون برميل يومياً على أن يرتفع إلى 2.8 مليون برميل يومياً بحلول نهاية العام. ووفقاً للبيانات الشهرية الصادرة عن بيكر هيوز، انخفض إجمالي عدد منصات التنقيب عن النفط والغاز على مستوى العالم بنسبة تراكمية بلغت 29 في المائة أو 611 منصة حفر في مارس وأبريل 2020.
في ذات الوقت، انعكس الضرر الاقتصادي الذي تسببت فيه أزمة تفشي فيروس كورونا المستجد (كوفيد-19) بوضوح على أرقام الناتج المحلي الإجمالي للربع الأول من العام 2020 في منطقة اليورو والتي أظهرت تراجع كافة الاقتصادات الرئيسية. وبلغ متوسط انخفاض الناتج المحلي الإجمالي في المنطقة ما يقرب من نسبة 4 في المائة في ظل فشل حزم التحفيز الاقتصادي في إحياء الطلب في المنطقة. من جهة أخرى، أشارت ألمانيا إلى أن أسوأ تأثير للأزمة قد يكون وصل الى الذروة حيث أعلنت الدولة عن تخفيف جزئي لإجراءات الحظر وإعادة فتح الاقتصاد تدريجياً. إلا أن كبير الاقتصاديين في البنك المركزي الأوروبي قد أشار إلى أن سرعة ونطاق الانتعاش سيعتمدان بشكل أساسي على ثقة المستهلك. وقد لوحظ بعض التحسن في الصين التي أعلنت عن زيادة الناتج الصناعي في أبريل 2020 للمرة الأولى منذ بدء الأزمة. كما تفكر الولايات المتحدة أيضا في إعادة فتح الاقتصاد، حيث يقوم مركز مكافحة الأمراض والوقاية بنشر توجيهات خاصة لفتح بعض القطاعات. كما انه مع إعادة فتح النشاط الاقتصادي، سيحرص المستثمرون على رؤية التقدم في الأحداث الرئيسية مثل خروج المملكة المتحدة من الاتحاد الأوروبي والصفقة التجارية بين الولايات المتحدة والصين التي لم تشهد تقدماً يذكر منذ بداية تفشي الفيروس.
الاتجاهات الشهرية لأسعار النفط
ارتفعت أسعار عقود النفط الفورية إلى أعلى مستوياتها في 6 أسابيع لتصل إلى 23.3 دولار أمريكي للبرميل خلال الأسبوع الثاني من مايو 2020 بعد تداولها دون مستوى 20 دولار أمريكي للبرميل خلال معظم فترات شهر أبريل 2020. ويعزى ذلك النمو إلى توقع ارتفاع الطلب على المدى القريب، هذا إلى جانب الإعلان عن القيود الصارمة التي تم فرضها على الإمدادات في كافة أنحاء العالم. كما أدى انخفاض مخزونات الخام الأمريكي بمقدار 745 ألف برميل خلال الأسبوع المنتهي في 8 مايو 2020 إلى دفع أسعار النفط إلى الارتفاع. ويعتبر ذلك أول انخفاض أسبوعي في مخزونات النفط الأمريكي بعد زيادات متتالية على مدار الأسابيع الخمسة عشر السابقة التي شهدت نمواً تراكمياً تخطى أكثر من 100 مليون برميل من مخزونات الخام. إلا انه على الرغم من ذلك الارتفاع، إلا أن أسعار النفط تراجعت بنسبة 66 في المائة منذ بداية العام. وكان متوسط سعر مزيج خام برنت خلال أبريل 2020 هو الأدنى منذ يوليو 1999، حيث بلغ 18.47 دولار أمريكي للبرميل، متراجعاً بنسبة 42 في المائة على أساس شهري. كما انخفض سعر خام نفط الأوبك بوتيرة أسرع بنسبة 48 في المائة ليصل إلى 17.66 دولار أمريكي للبرميل، بينما بلغ متوسط سعر خام النفط الكويتي 18.76 دولار للبرميل بعد تسجيله لتراجع بنسبة 46.6 في المائة عن مستوى الشهر الذي سبق.
الطلب على النفط
استقرت تقديرات نمو الطلب العالمي على النفط للعام 2019 دون تغيير عند مستوى 0.83 مليون برميل يومياً مع توقع أن يصل متوسط الطلب إلى 99.67 مليون برميل يومياً. وبالنسبة للعام 2020، تم تعديل التوقعات وخفضها وفقاً لأحدث التقديرات بواقع 2.23 مليون برميل يومياً، حيث يتوقع أن يتراجع الطلب الآن بواقع 9.07 مليون برميل يومياً ليصل في المتوسط إلى 90.59 مليون برميل يومياً خلال العام. ويعكس خفض التقديرات في المقام الأول الى التراجع الحاد في الطلب على وقود النقل خلال الربع الثاني من العام 2020 على خلفية تدابير الحظر المفروضة بسبب تفشي كوفيد-19 مع توقع أن يشهد الطلب على الوقود الصناعي مزيداً من الضعف. وتم تعديل توقعات الطلب للدول التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية وخفضه بواقع 1.20 مليون برميل يومياً ليصل إلى 42.71 مليون برميل يومياً، في حين تم تعديل نمو الطلب على النفط من خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 1.03 مليون برميل يومياً. ويعكس خفض التقديرات الخاصة بمنطقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية التوقعات القاتمة لقطاع النقل في الدول التابعة للمنظمة في كلا من الأمريكيتين وأوروبا في بداية الربع الثاني من العام 2020. وبالنسبة للدول الأوروبية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، أظهرت البيانات الأولية الصادرة عن اتحاد مصنعي السيارات الأوروبيين عن تراجع تراخيص السيارات الجديدة بأكثر من نسبة 50 في المائة في الاتحاد الأوروبي خلال مارس 2020 على خلفية تفشي كوفيد-19.
أما على صعيد الدول غير الأعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، انخفض الطلب من الصين بأكثر من 2 مليون برميل يومياً خلال مارس 2020، حيث تراجع الطلب الخاص بكلا من وقود الطائرات والبنزين للشهر الثاني على التوالي. وأظهرت البيانات انخفاضاً حاداً في حركة مرور الركاب على الطرق السريعة خلال شهري فبراير ومارس 2020، في حين انخفضت أنشطة الطيران المدني بأكثر نسبة 70 في المائة في مارس 2020. وكشفت بيانات صادرة عن رابطة سيارات الركاب الصينية ومؤسسة هيفر أناليتكس عن انخفاض مبيعات السيارات بأكثر من 50 في المائة خلال مارس 2020. من جهة أخرى، انخفض الطلب على النفط في الهند بمعدل قياسي بلغ 0.78 مليون برميل يومياً في مارس 2020 إلى حوالي 4.1 مليون برميل يومياً. وشمل هذا التراجع انخفاضاً في متطلبات البنزين بمقدار 0.12 مليون برميل يومياً، بينما انخفضت متطلبات الديزل بواقع 0.42 مليون برميل يوميا. وانخفضت مبيعات سيارات الركاب بنسبة تقارب 51 في المائة خلال الشهر مقارنة بالعام الماضي. ويعكس الانخفاض في الطلب على الديزل تباطؤ الأنشطة الإنشائية والزراعية والانخفاض الحاد في مبيعات السيارات التجارية بنسبة 88 في المائة على أساس سنوي خلال مارس 2020. أما على صعيد منطقة الشرق الأوسط، أظهرت بيانات السعودية عن شهر مارس 2020 انخفاض الطلب على النفط بنحو 0.14 مليون برميل يومياً على خلفية تراجع متطلبات وقود النقل. وتشير التقديرات للفترة المتبقية من العام إلى انخفاض حاد في الطلب على وقود النقل على مستوى المنطقة.
عرض النفط
انخفض إنتاج السوائل النفطية على مستوى العالم بواقع 0.18 مليون برميل يومياً في أبريل 2020 ليصل في المتوسط إلى 99.46 مليون برميل يومياً، فيما يعزى بصفة رئيسية إلى انخفاض الإنتاج في الولايات المتحدة وكندا والإكوادور والبرازيل وكازاخستان والذي قابله جزئياً ارتفاع إنتاج منتجي الأوبك. ونتيجة لذلك، زادت حصة خام الأوبك من إجمالي الإنتاج العالمي بواقع 190 نقطة أساس لتمثل 30.6 في المائة خلال أبريل 2020.
وتم تعديل تقديرات نمو المعروض النفطي من خارج منظمة الأوبك للعام 2019 بارتفاع هامشي بمقدار 0.04 مليون برميل يومياً عن التقديرات السابقة بما يعكس مراجعة تصاعدية في بيانات الإنتاج الأسترالية. وتشير التقديرات إلى أن العرض شهد نمواً في العام 2019 بواقع 2.02 مليون برميل يومياً ليصل في المتوسط إلى 65.03 مليون برميل يومياً.
كما شهدت توقعات المعروض النفطي من خارج الأوبك في العام 2020 مزيداً من الخفض والذي بلغ حوالي 2.0 مليون برميل يومياً مقارنة بالتوقعات السابقة. ومن المتوقع أن ينخفض المعروض النفطي في العام 2020 بمقدار 3.5 مليون برميل يومياً ليصل في المتوسط إلى 61.5 مليون برميل يومياً خلال العام. وعكست تلك المراجعات تراجع العرض القادم بصفة رئيسية من الولايات المتحدة وروسيا وكندا بإجمالي 3.16 مليون برميل يومياً، هذا إلى جانب تراجع الإنتاج في كازاخستان وعمان وأذربيجان وماليزيا والمكسيك. ومن المتوقع أن يتم تعويض تلك الانخفاضات جزئياً بارتفاع الإمدادات القادمة من النرويج (+0.29 مليون برميل يومياً) والبرازيل (+0.19 مليون برميل يومياً) وغيانا وأستراليا.
انتاج الأوبك
شهد إنتاج الأوبك من النفط في أبريل 2020 زيادة هائلة والتي تعد ضمن أعلى معدلات النمو المسجلة في الأشهر الأخيرة بعد أن أدى الخلاف الأولي حول القيود المفروضة لتقليص الامدادات إلى ارتفاع الإنتاج من قبل معظم أعضاء المجموعة، خاصة السعودية. وأظهرت البيانات الصادرة عن وكالة بلومبرج زيادة إنتاج الأوبك إلى أعلى المستويات المسجلة في 14 شهراً لتصل إلى 30.36 مليون برميل يومياً بعد ارتفاعها بمعدل 1.73 مليون برميل يومياً مقارنة بشهر مارس 2020. وأظهرت مصادر الأوبك الثانوية مستويات إنتاج مشابهة تقريبا بلغت 30.41 مليون برميل يوميا بزيادة شهرية 1.8 مليون برميل يوميا. ويعزى ذلك النمو في المقام الأول لارتفاع إنتاج كل من السعودية والإمارات والكويت بزيادة إجمالية قدرها 1.84 مليون برميل يومياً، وفقاً لوكالة بلومبرج. وبلغ متوسط الإنتاج السعودي 11.4 مليون برميل يوميا خلال الشهر فيما يعتبر أعلى معدل إنتاج تسجله المملكة. كما يعد إنتاج الإمارات البالغ 3.72 مليون برميل يومياً أعلى المستويات المسجلة على الإطلاق.