الأصول الثقافية المبنية وتتوافق مع أهداف وتطلعات تحقيق الاستدامة أن تحدّ من انبعاثات الكربون
المؤشر – دبي
تتمتع منطقة الخليج بالقدرة على خفض الانبعاثات الكربونية بما لا يقل عن 1.3 مليون طن متري – أي يعادل إزالة 320 ألف سيارة من الطرق سنويًا – في حال إقامة الأصول الثقافية المخطط لها في المنطقة باستخدام أساليب وتقنيات مستدامة، وفقًا لأحدث تقرير صادر عن ستراتيجي& الشرق الأوسط، وهي جزء من شبكة برايس ووتر هاوس كوبرز، تحت عنوان “النهضة الثقافية المستدامة والشاملة في الشرق الأوسط”.
ومن خلال دراسة الأثر المترتب للاستثمارات الموجهة نحو قطاع الفنون والثقافة على المنطقة، يستعرض التقرير تحليلًا مفصلًا لكيفية الجمع بين الثقافة والاستدامة من خلال تنفيذ مشاريع البناء والبرامج بما يتوافق مع أهداف وتطلعات تحقيق الاستدامة. كما يشير التقرير إلى أنه يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي خفض انبعاثات الغازات الدفيئة بأكثر من 600 ألف طن متري سنويًا في حال انشاء جميع الفعاليات الثقافية واحتضان إنتاجات الأفلام المخطط لها باعتماد تقنيات وأساليب تكفل تحقيق الاستدامة.
وبهذا الخصوص، أوضح الدكتور يحيى عنوتي، الشريك في ستراتيجي& الشرق الأوسط وقائد منصة الاستدامة في بي دبليو سي الشرق الأوسط، قائلًا: “تحرص دول مجلس التعاون الخليجي على الاحتفاء بتقاليدها وتراثها الثقافي والحفاظ عليهما، ومواءمة هذه الجهود في سياق رؤاها الاستراتيجية. وفي إطار برامجها الطموحة للتحول إلى مستقبل خالٍ من الكربون، تتاح أمام القادة العاملين في القطاع الثقافي في دول مجلس التعاون الخليجي فرصة فريدة لوضع المنطقة في طليعة الدول من خلال الجمع بين الثقافة والاستدامة.”
والجدير بالذكر أن دول مجلس التعاون الخليجي تصب جهودها للارتقاء على قطاع الثقافة، فمن المتوقع أن توجّه المملكة العربية السعودية استثمارات تتجاوز قيمتها 100 مليار دولار نحو مشاريع ثقافية تهدف إلى زيادة إنفاق الأسر المحلية على الترفيه والأنشطة. وتمثل هذه الاستثمارات جزءًا من أهداف المملكة الرامية إلى تحويل البلاد إلى وجهة سياحية عالمية.
وتشمل المشاريع السعودية الكبرى مشروع بوابة الدرعية في الرياض، والذي سيشمل مناطق للفنون، مركز الدرعية لفنون المستقبل ، ومتاحف، وفنادق. ويُلفت إلى أنه يتم اعتماد استراتيجيات مماثلة في جميع أنحاء المنطقة، حيث تشمل استثمارات أبوظبي الموجهة نحو القطاعات الثقافية والإبداعية أربعة متاحف قيد الإنشاء بقيمة إجمالية تتجاوز ملياري دولار أمريكي، وهي متحف جوجنهايم أبوظبي، ومتحف زايد الوطني، ومتحف التاريخ الطبيعي، ومتحف تيم لاب فينومينا أبوظبي. أمّا بالنسبة لقطر، التي استضافت مؤخرًا كأس العالم لكرة القدم، تستهدف بشكل استراتيجي الاستثمار في العديد من المرافق الثقافية الجديدة، بما يشمل متحف الأطفال في الدوحة.
وفي سياق متصل، أوضحت ناي أبي رميا، المديرة المسؤولة في ستراتيجي&، قائلةً: “يشهد هذا العقد بناء العديد من الأصول الثقافية، لذا يمكن لدول مجلس التعاون الخليجي تبني تقنيات وأساليب الاستدامة منذ البداية، مما يضمن الحفاظ عليها على المدى الطويل إلى جانب المساهمة بشكل كبير في تحقيق أهداف المنطقة المنشودة المتمثلة في التحول إلى مستقبل خالٍ من الكربون. علاوةً على ذلك، يمكن أن يؤدي اتباع نهج تعاوني يُشرك المجتمعات في إقامة الأصول الثقافية إلى تحقيق جملة من النتائج كالإدماج الاجتماعي والتجديد المادي والتنمية المستدامة وتوفير فرص العمل”.
بالإضافة إلى أن اعتماد طرق وأساليب بناء مستدامة لإقامة الأصول الثقافية في دول مجلس التعاون الخليجي يمكن أن يحقق كذلك وفورات كبيرة بحلول عام 2030، وذلك نظرًا لمحدودية الحاجة إلى الصيانة، وانخفاض استهلاك الطاقة والمياه. يسلط التقرير الضوء على أن التحول إلى الاستعانة بأساليب ومواد البناء المستدامة يمكن أن يوفر ما يقرب من 14 مليار دولار من حيث صافي القيمة الحالية للنفقات الرأسمالية والتشغيلية للبنية التحتية الثقافية على مدى دورة حياتها. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن يؤدي تطبيق مبادئ الحوكمة البيئية والاجتماعية في قطاع الثقافة إلى تشجيع المزيد من الاستثمارات الأجنبية، علمًا بأن دول مجلس التعاون الخليجي تستفيد بالفعل من بعض هذه الاسثمارات، إذ تجاوزت قيمة الاستثمارات الأجنبية المباشرة الموجهة نحو القطاعات الثقافية والإبداعية في دبي 1.3 مليار دولار في عام 2021، وهي ثاني أعلى قيمة استثمارية على مستوى العالم.
وعلى صعيد آخر، يُشير تقرير ستراتيجي& إلى أن الأصول والفعاليات الثقافية المستدامة يمكن أن تجذب 8 ملايين زيارة إضافية إلى المنطقة بحلول عام 2030. وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى أن هذه الزيادة مماثلة تقريبًا من حيث الحجم لإجمالي عدد الزيارات إلى الأصول الثقافية اليوم. أظهرت إحدى الدراسات التي أجريت في البرتغال أنه من المرجح مشاركة الزوار في الفعاليات ومعاودة المشاركة فيها إذا كانت تحرص على “التنمية المستدامة وحماية البيئة”، مما قد يؤدي إلى تكرار الزيارة بنسبة 30%.
إعادة النظر في الأهمية الثقافية
ومن خلال العمل مع القادة العاملين في القطاع الثقافي والمؤسسات الثقافية، يستعرض التقرير كذلك توصيات لقادة دول مجلس التعاون الخليجي بإيلاء العناية الخاصة للاستراتيجية، ودمج الثقافة مع الاستدامة واحتياجات المجتمعات الإبداعية المزدهرة في المنطقة.
يقترح التقرير أن يعمل القادة العاملون في القطاع الثقافي في دول مجلس التعاون الخليجي على دمج الاستدامة في التصميم، ليس فقط للبنية التحتية الثقافية ولكن كذلك لإنتاج الفعاليات والأفلام. كما يقدم التقرير توجيهات إرشادية بشأن تسهيل الاستثمارات في المشاريع الثقافية المتعلقة بالحوكمة البيئية والاجتماعية لتسهيل عملية ضخ المستثمرين للأموال في الفرص الثقافية. إلى جانب ذلك، يرسم التقرير خارطة طريق لتعزيز الإدماج الاجتماعي والتنمية المستدامة التي يستفاد منها في التجديد المادي والاجتماعي، وصقل المهارات، والحفاظ على المواقع التراثية.
ويمكن للقادة العاملين في القطاع الثقافي كذلك أن يؤدوا دورًا مهمًا في تعزيز المشاركة الفنية وحماية الملكية الفكرية الإبداعية حتى يتمكن الفنانون من حفظ حقهم في مراقبة ومتابعة أعمالهم الإبداعية والمساهمة في حفظ المخرجات الإبداعية المحلية الملائمة ثقافيًا. كما يشير التقرير إلى أن الإدماج الثقافي يجب أن يتوافق مع مستهدفات الحفاظ على التراث الثقافي.
وختامًا، يوضح التقرير أن دمج الثقافة مع الاستدامة يتطلب اعتماد نهج جديد للحوكمة الثقافية. لتوجيه سير العمل وفق جدول الأعمال هذا، ينبغي للقادة العاملين في القطاع الثقافي تبني نموذج مختلط يركز على القيادة الاستراتيجية مع التنفيذ اللامركزي.
ينا ناديس، “مدى أهمية الفعاليات والممارسات البيئية في سياقها بالنسبة للزوار: دراسة حول مهرجان سيرالفيس للفنون”، وقائع المؤتمر الدولي للزراعة والسياحة المستدامة لعام 2022