أسعار النفط تخسر نصف قيمتها في ظل تفكك كتلة الأوبك وحلفائها .. بحسب تقرير كامكو
الرياض – المؤشر الاقتصادي
تراجعت أسعار النفط إلى أدنى مستوياتها المسجلة منذ العام 2015 بعد أن شهدت أكبر خسائر يومية منذ حرب الخليج في العام 1991 في اعقاب فشل منظمة الأوبك وحلفائها في التوصل إلى اتفاق لتعميق خفض حصص الإنتاج استجابة لضعف اتجاهات الطلب.
و بحسب تقرير كامكو حول أداء أسواق النفط العالمية ، جاءت الأحداث الحالية في سوق النفط بمثابة ضربة مزدوجة للمقومات الأساسية لسوق النفط، حيث يعزى تراجع الأسعار هذه المرة لانخفاض مستويات الطلب بالإضافة إلى زيادة الإنتاج مما كان سيؤدي تحت ظروف أخرى إلى زيادة الطلب على النفط. إلا ان تباطؤ الطلب على النفط جاء على خلفية التفشي السريع لفيروس كورونا خارج الصين والذي أثار استجابة عالمية لاحتواء الوضع. وتمثلت أغلبية تلك الإجراءات في هيئة فرض القيود على السفر وتقييد حركة السلع والخدمات، في حين ركزت بعض الخطوات الأخرى على توفير المحفزات اللازمة لإحداث انتعاش مؤقت في أسعار النفط الخام.
وعلى صعيد القيود المفروضة، أصدرت الولايات المتحدة تحذيراً بالسفر لرعاياها وأوقفت جميع الرحلات الجوية القادمة من أوروبا لمدة 30 يوماً على غرار القيود التي فرضتها عدد من الدول الأخرى. ووفقاً لوكالة بلومبرج، سيؤثر ذلك القرار على حوالي 180 ألف برميل يومياً أو 4 في المائة من الطلب العالمي على وقود الطيران. كما تضرر الطلب المحلي على النفط بسبب القيود المفروضة على حركة الأشخاص داخل غالبية البلدان المتضررة. من جهة أخرى، بعد قيام كلا من الاحتياطي الفيدرالي الأمريكي وبنك إنجلترا بخفض أسعار الفائدة، أقدمت الحكومة الأمريكية ايضاً على خفض ضريبة الرواتب لتعزيز النمو الاقتصادي وزيادة الدخل المتاح، بالإضافة إلى وضع الخطط الخاصة بتزويد الشركات الصغيرة برأس المال اللازم لحالات الطوارئ. وأعلنت حكومة المملكة المتحدة عن حزمة تحفيز مالي بقيمة 12 مليار جنيه استرليني، في حين اقترحت الصين خفض الاحتياطيات الإلزامية التي يجب على البنوك الاحتفاظ بها مرة أخرى لدعم قطاع الشركات الصغيرة والمتوسطة. هذا ولم يعلن البنك المركزي الأوروبي عن خفض سعر الفائدة، إلا انه أعلن عن حزمة شاملة لشراء السندات وتوسيع نطاق القروض الرخيصة لتحفيز النمو.
وفي ضوء الحقائق الجديدة التي تواجه سوق النفط، قامت الأوبك في تقريرها الشهري الأخير بخفض توقعات الطلب على النفط للعام 2020 بمقدار 920 ألف برميل يومياً وتتوقع الآن أن يرتفع الطلب بواقع 60 ألف برميل يوميا فقط مقارنة بالعام 2019. من جهة أخرى، صرحت وكالة الطاقة الدولية إنها تتوقع ان نشهد في العام 2020 أول انخفاض سنوي في الطلب على النفط منذ الأزمة المالية العالمية في العام 2009. وخفضت الوكالة توقعاتها للطلب على النفط بمقدار 1.1 مليون برميل يومياً وتتوقع الآن انخفاضا بمقدار 90 ألف برميل يومياً في متطلبات النفط خلال العام 2020. أما إدارة معلومات الطاقة الأمريكية فكانت الأكثر تفاؤلاً بخصوص توقعات الطلب على النفط في ظل توقعها تسجيل نمواً بواقع 0.37 مليون برميل يومياً في العام 2020.
أما من جهة العرض، تتطلع السعودية إلى رفع إنتاج النفط إلى أكثر من 12 مليون برميل يومياً وأعلنت الإمارات عن اتخاذ خطوة مماثلة، حيث صرحت إنها في وضع يمكنها من زيادة الإنتاج إلى 4 مليون برميل يومياً في أبريل 2020. أما بالنسبة للطاقة الإنتاجية، فإن السعودية تعمل على تسريع طاقتها الانتاجية من 12 مليون برميل يومياً إلى 13 مليون برميل يومياً. من جهة أخرى، قد تقوم روسيا بزيادة انتاجها بمقدار 0.5 مليون برميل يومياً وفقاً لبيانات الإنتاج الخاصة بشهر فبراير 2020، كما ان لدى الأوبك طاقة احتياطية تبلغ 6.1 مليون برميل يومياً في كل من السعودية والكويت والإمارات بما يمثل 42 في المائة من تلك الكمية وفقاً لطاقتها الإنتاجية الحالية.
ونتوقع أن تتعافى أسعار النفط من أدنى مستوياتها المسجلة في مارس 2020 في إطار موجتين، تحدث الموجة الأولى عند توافر دليل أولي على تجديد اتفاقية حصص إنتاج النفط بين الأوبك وحلفائها، خاصة السعودية وروسيا. في حين ستأتي الموجة الثانية من مكاسب أسعار النفط من خلال الإشارة المبكرة على انتعاش التجارة العالمية وغيرها من البيانات الاقتصادية كثيرة التكرار عندما يبدأ تأثير فيروس كورونا في التلاشي.
وتراجعت أسعار النفط بأكثر من 30 في المائة على خلفية فشل الأوبك وحلفائها في التوصل إلى اتفاق بخصوص خفض حصص الإنتاج بما أدى إلى فك الارتباط بين أطراف الاتفاقية. وانتعشت الأسعار خلال اليوم، إلا انها أنهت جلسة التداول بخسارة هائلة تخطت أكثر من 25 في المائة شملت معظم درجات الخام المختلفة. ويعد هذا أكبر تراجع تشهده أسعار النفط منذ حرب الخليج في العام 1991، حيث تراجعت الأسعار إلى أدنى مستوياتها المسجلة منذ حوالي خمسة أعوام. إلا ان أسعار النفط شهدت انتعاشاً هامشياً في الجلسة التالية لكنها فشلت في الحفاظ على الزخم في جلسات التداول اللاحقة. نتيجة لذلك، تراجعت أسعار النفط كما في 11 مارس 2020 بنسبة 50 في المائة مقارنة بأعلى مستوياتها المسجلة في العام 2020. إلا ان انهيار أسعار النفط كان له جانباً مشرقاً للدول المستهلكة للنفط وعدد من القطاعات التي قد تساهم في تعزيز الأسعار على المدى القريب. ووفقًا للتقارير، بعد أن قامت السعودية بخفض سعر البيع الرسمي ارتفع الطلب بنسبة 50 في المائة تقريبا من قبل بعض كبار المستهلكين. كما شهدت شحنات النفط عبر خطوط الأنابيب إلى ساحل الخليج الأمريكي ارتفاعاً حاداً. أما بالنسبة للمستهلكين الأوروبيين، زادت مخصصات النفط السعودي عدة مرات. ووفقا لتقارير وكالة بلومبرج، ارتفعت تكلفة استئجار ناقلات النفط من الشرق الأوسط إلى الصين بستة اضعاف على خلفية ارتفاع الطلب. أما على صعيد استهلاك القطاعات المختلفة، فقد انعكس تراجع أسعار النفط ايجابياً على قطاع المزارعين الأمريكيين، حيث استفاد مزارعي الذرة وفول الصويا في منطقة وسط غرب الولايات المتحدة من هذا التراجع بما أدى إلى زيادة الطلب على الديزل الرخيص تحضيراً لموسم الزراعة لمحاصيل الربيع. ويمكن رؤية الاندفاع في الاسواق الفورية في ظل قيام المزارعين بمليء خزانات الوقود بالإضافة إلى تثبيت الأسعار للعقود المستقبلية. بالإضافة إلى ذلك، استفادت ايضاً شركات التعدين من تراجع أسعار النفط نظراً لاعتبار الوقود من اهم العناصر الرئيسية للتكاليف التشغيلية لتلك الشركات.
وتم تعديل تقديرات نمو الطلب العالمي على النفط للعام 2019 مجدداً وخفضها بواقع 0.08 مليون برميل يومياً بنمو قدره 0.83 مليون برميل يومياً، حيث يتوقع أن يصل في المتوسط إلى 99.67 مليون برميل يومياً. وتعكس تلك المراجعة مرة أخرى تراجع بيانات الطلب إلى مستويات أقل من المتوقع للدول الامريكية التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية. كما تم خفض توقعات نمو الطلب للدول التابعة لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بصفة عامة بواقع 0.06 مليون برميل يومياً بشكل أساسي خلال النصف الثاني من العام 2019 على خلفية انخفاض الطلب على الوقود الصناعي وضعف الطلب على البنزين والظروف الجوية الأكثر دفئاً في الربع الرابع من العام 2019. أما بالنسبة للدول غير الأعضاء بمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، فقد تم خفض التوقعات بواقع 0.02 مليون برميل يومياً بما يعكس تراجع الطلب من منطقة آسيا الأخرى خلال النصف الثاني من العام 2019. ومرة أخرى، تم خفض توقعات نمو الطلب على النفط للعام 2020 بشدة لتصل إلى 0.92 مليون برميل يومياً، أي بزيادة 0.06 مليون برميل يومياً. وفي ظل ذلك النمو الهامشي، من المتوقع الآن أن ينخفض الطلب العالمي على النفط للعام 2020 عن مستوى 100 مليون برميل يومياً ليصل إلى 99.73 مليون برميل يومياً. وتعكس تلك المراجعة انخفاض الطلب على وقود النقل والوقود الصناعي في الصين على خلفية تفشي فيروس كورونا بالإضافة إلى انخفاض الاستهلاك في الهند، وذلك على الرغم من ظهور علامات في الهند تدل على انتعاش الاستهلاك بعد انخفاض أسعار النفط. وتم خفض نمو الطلب المتوقع من قبل دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بمقدار 0.32 مليون برميل يومياً في ظل توقع حدوث غالبية هذا الانخفاض خلال النصف الأول من العام 2020 بينما انخفض الطلب من خارج منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بواقع 0.6 مليون برميل يومياً.
ووفقاً للبيانات الأولية، تراجع المعروض العالمي للنفط بواقع 0.29 مليون برميل يومياً على أساس شهري في فبراير 2020 ليصل في المتوسط إلى 99.75 مليون برميل يومياً.
أما بالنسبة للعام 2019 بأكمله، تم مرة أخرى تعديل توقعات المعروض النفطي من خارج منظمة الأوبك ورفعها بواقع 91 ألف برميل يومياً أي بمعدل نمو 1.99 مليون برميل يومياً ليصل بذلك إجمالي المعروض النفطي المتوقع إلى 64.97 مليون برميل يومياً. وتعكس تلك المراجعة بصفة رئيسية الى رفع التوقعات الخاصة بإنتاج الوقود الحيوي في الدول النامية ليصل إلى 67 ألف برميل يومياً، هذا بالإضافة إلى ارتفاع التوقعات الخاصة بدول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية أكثر مما كان متوقعا بمقدار 32 ألف برميل يومياً، كان معظمها في الأغلب خلال الربع الرابع من العام 2019. وقد قابل تلك الزيادات خفضاً جزئياً لإنتاج الصين الخاص بتحويل الفحم إلى وقود سائل بالإضافة إلى خفض توقعات المعروض النفطي لكلا من المملكة المتحدة وأستراليا. أما بالنسبة للعام 2020، فقد تمت مراجعة توقعات نمو العرض وخفضها بواقع 0.49 مليون برميل يومياً مع توقع أن يسجل نمواً بواقع 1.76 مليون برميل يومياً ليصل في المتوسط إلى 66.74 مليون برميل يومياً خلال العام. كما تمت مراجعة توقعات المعروض النفطي للولايات المتحدة وخفضها بواقع 0.36 مليون برميل يومياً، أي بنمو يصل إلى 0.9 مليون برميل يومياً. وكانت الولايات المتحدة قد أعلنت عن خفض انتاجها خلال ديسمبر 2019، وتشير التقديرات إلى خفض إضافي قدره 80 ألف برميل يومياً لكلا من شهري يناير وفبراير 2020. إلا انه من المتوقع أن يشهد الإنتاج انتعاشاً موسمياً في مارس وأبريل 2020. وبالنسبة لمنطقة منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية بصفة عامة، تم خفض تقديرات نمو العرض بمقدار 0.41 مليون برميل يومياً ليصل في المتوسط إلى 31.21 مليون برميل يومياً ليصل بذلك معدل النمو إلى 1.27 مليون برميل يومياً.
وشهد إنتاج الأوبك من النفط تراجعاً حاداً خلال شهر فبراير 2020 ليصل بذلك إلى أدني مستوياته المسجلة منذ عشرة أعوام على خلفية الهبوط الذي مني به الإنتاج في ليبيا والذي قابله جزئياً ارتفاع الإنتاج بصفة رئيسية من قبل العراق ونيجيريا. ووفقاً للبيانات الصادرة عن وكالة بلومبرج، بلغ الإنتاج 27.9 مليون برميل يومياً في فبراير 2020، بانخفاض قدره 480 ألف برميل يومياً عن الشهر السابق. وقدرت مصادر الأوبك الثانوية أن يكون التراجع أكثر حدة بحيث يصل إلى 546 ألف برميل يومياً ليصل بذلك متوسط الإنتاج إلى 27.8 مليون برميل يومياً خلال الشهر. ويستبعد إنتاج الأوبك الشهري بيانات الإكوادور التي لم تعد عضواً في المجموعة. ويعزى تراجع الإنتاج في ليبيا بصفة رئيسية للحصار المفروض على الموانئ وحقول النفط. حيث بلغ معدل الإنتاج الليبي 150 ألف برميل يومياً في المتوسط خلال فبراير 2020، أي بتراجع تخطى أكثر من 1 مليون برميل يومياً مقارنة بمستويات الإنتاج في بداية العام. أما بالنسبة للعراق فقد زاد الإنتاج بواقع 90 ألف برميل يومياً ليصل إلى 4.61 مليون برميل يومياً، بينما رفعت نيجيريا متوسط الإنتاج بواقع 100 ألف برميل يومياً وصولاً إلى 1.93 مليون برميل يومياً.