جدوى للاستثمار: ارتفاع الطب على النفط 5.3 في المئة خلال الربع الاول 2022
الرياض – عبده المهدي
أشارت بيانات أوبك إلى نمو الطلب العالمي على النفط بنسبة جيدة، بلغت 5,3 في المئة ، على أساس سنوي، أو 5 ملايين برميل يومياً، في الربع الأول لعام 2022. مع ذلك، واتساقاً مع توقعات أوبك تراجع الطلب على النفط بنسبة 1,2 في المئة (1,2 مليون برميل يومياً) على أساس ربعي خلال الربع الأول من العام. بالنظر إلى المستقبل، زاد عدم اليقين بشأن الاقتصاد العالمي بشدة مع اندلاع الصراع بين روسيا وأوكرانيا. وقد انعكس عدم اليقين هذا على أحدث تقديرات أوبك، التي خفضت النمو السنوي لطلب النفط لعام 2022 ككل بنسبة 12 في المئة ، ليصل إلى 3,67 مليون برميل في اليوم، رغم أن المنظمة لا تزال تتوقع أن يسجل الطلب على النفط أعلى مستوى له على الإطلاق، عند 102,8 مليون برميل يومياً في الربع الرابع 2022 من المهم الإشارة إلى أن التوقعات الحالية لأوبك بشأن الطلب على النفط ليست مبنية فقط على افتراض أن الصراع المسلح في أوكرانيا لن يتفاقم، بل سيخف في النصف الثاني من العام. في الحقيقة، وكما تعترف أوبك نفسها (فيما يتعلق بتوقعاتها لنمو الاقتصاد العالمي)، من المقدر أن تكون هناك مخاطر كبيرة إزاء حدوث المزيد من الانخفاض للطلب، خاصة في حال استمرار الوضع الحالي (أو ربما تفاقمه) في النصف الثاني من عام 2022. في الوقت نفسه، هناك مخاطر تتنامى في الصين إزاء الطلب على النفط، حيث تتسبب موجة أخرى من عمليات الإغلاق المتصلة بكوفيد-19 في عدد من المناطق في زيادة مشاكل سلاسل التوريد العالمية المضطربة أصلاً ومخاطر انخفاض واردات النفط الصينية.
تراجع إنتاج النفط الروسي:
منذ اندلاع الصراع الروسي-الأوكراني في أواخر فبراير، كان هناك تأثير كبير على أسعار مجموعة من السلع، شملت القمح والنفط والغاز الطبيعي. لم تستهدف الجولة الأساسية من العقوبات الغربية ضد روسيا صراحة صادرات الطاقة، لكن، ومع تفاقم الصراع، اتخذت الولايات المتحدة قراراً أحادياً بحظر جميع صادرات النفط والغاز الروسية. تماشياً مع ذلك، ورغم عدم وجود عقوبات من طرف الاتحاد الأوروبي على النفط الروسي، هناك عدد من شركات النفط العالمية باعت بعض أصول الطاقة وأوقفت شراء الخام الروسي في السوق الفورية طواعية. الآن بدأ تأثير العقوبات الاقتصادية إضافة إلى العقوبات الطوعية يظهر في الأرقام الروسية لإنتاج النفط، حيث تشير بيانات غير رسمية مطلع أبريل إلى انخفاض إنتاج النفط الروسي إلى حوالي 10,3 مليون برميل يومياً، مقابل 11 مليون برميل يومياً في الربع الأول 2022.
بالنظر إلى المستقبل، رغم أن التقديرات الروسية الرسمية تشير إلى أن النفط الخام الروسي سيتراجع بنسبة 4-5 في المئة ، على أساس شهري، في أبريل (مقارنة بـ 11 مليون برميل يومياً في مارس)، يرجح حدوث تراجعات أكثر حدة، تماشياً مع انتهاء أجل العقود طويلة الأجل لكثير من الشركات الغربية مع موردين روس. وفي الحقيقة، تتوقع وكالة الطاقة الدولية تراجع إنتاج النفط الروسي بمتوسط 1,5 مليون برميل يومياً في أبريل، والذي سيرتفع إلى 3 مليون برميل يومياً في مايو.
إنتاج النفط لدى أوبك وشركائها يجد صعوبة في المحافظة على المستويات المتفق عليها:
تشير بيانات الربع الأول لعام 2022، إلى أن أوبك وشركائها كافحوا لتحقيق مستويات الإنتاج المستهدفة المتفق عليها، حيث أنتج الحلف نحو 38 مليون برميل يومياً في المتوسط خلال الربع، ما يقل بنسبة 3 في المئة تقريباً (أو 1,2 مليون برميل يومياً) عن المستوى المستهدف. وتشير تفاصيل ذلك الإنتاج، إلى أن إنتاج أربع دول أفريقية (غينيا الاستوائية، وأنجولا، والكونجو، ونيجيريا) وماليزيا جاء أقل بكثير عن المستويات المستهدفة. بالنظر إلى المستقبل، يرجح أن تتواصل صعوبات الحفاظ على الإنتاج عند المستويات المتفق عليها لدى أوبك وشركائها بسبب العوامل التالية: 1) مشاكل هيكلية بشأن تراجع الإنتاج في المدى المتوسط من الدول الأفريقية المذكورة أعلاه وماليزيا (للمزيد، يمكنكم الاطلاع على تقريرنا السابق حول تطورات أسواق النفط)، 2) التراجع المتوقع في إنتاج النفط الروسي خلال الشهور القليلة القادمة، 3) المخاطر الأخيرة المتصلة بإمدادات النفط الليبي، حيث أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط الليبية مؤخراً حالة القوة القاهرة بسبب عدم الاستقرار السياسي. وفي الوقت نفسه، كذلك تتضاءل الطاقة الاحتياطية القابلة للاستخدام لدى أوبك وشركائها، على أساس شهري. في نهاية الربع الأول 2022 بلغت الطاقة الاحتياطية 3 مليون برميل يومياً (مع وجود الغالبية العظمى منها في دول الخليج). بالنظر إلى المستقبل، وفقاً لمستويات الإنتاج المستهدفة المتفق عليها، هذه الطاقة ستتراجع إلى نحو 1,9 مليون برميل يومياً بنهاية الربع الثاني 2022.
إنتاج النفط الأمريكي سيسجل مستويات قياسية عام 2023:
وفقاً لإدارة معلومات الطاقة (الأمريكية)، ارتفع إنتاج النفط الأمريكي بنسبة 8 في المئة ، على أساس سنوي، في الربع الأول لعام 2022، ليصل إلى متوسط 11,5 مليون برميل يومياً، ولكنه تراجع بنسبة 1 في المئة ، على أساس ربعي. بالنظر إلى المستقبل، يبدو أن إدارة معلومات الطاقة لا تتوقع زيادة كبيرة في أسعار النفط يكون لها تأثير ملحوظ على إنتاج النفط الأمريكي. ويتضح ذلك من حقيقة أنه على الرغم من أن تقديرات الوكالة الحالية لعام 2022 ككل لأسعار خام غرب تكساس الوسيط، تبلغ تقريباً ضعف ما كانت عليه في العام الماضي (عند متوسط 98 دولاراً للبرميل)، إلا أنها عدلت تقديراتها لإنتاج النفط الأمريكي برفعه فقط بنسبة 4 في المئة (أو 410 ألف برميل في اليوم) خلال نفس الفترة، ليصل متوسطه إلى 12 مليون برميل يومياً. مع ذلك، فإن إعلان الإدارة الأمريكية مؤخراً البدء بفرض رسوم على الشركات التي لا تستخدم تصاريحها لإنتاج النفط في الأراضي الفيدرالية، ربما يؤدي إلى زيادة إنتاج النفط في المدى القريب.
بالنظر إلى فترة أبعد، عام 2023، الآن تتوقع إدارة معلومات الطاقة زيادة كبيرة في الإنتاج الأمريكي، بنسبة 8 في المئة ، على أساس سنوي، ليصل إلى متوسط 12,95 مليون برميل في اليوم (وهو أعلى مستوى على الإطلاق)، رغم أن الوكالة تتوقع متوسط أسعار أقل لخام غرب تكساس، عند 87 دولاراً للبرميل، العام القادم.
توقعات أسعار النفط:
قفزت أسعار خام برنت بنسبة 29 في المئة ، على أساس ربعي (ليصل متوسطها إلى 103 دولاراً للبرميل) في الربع الأول لعام 2022، وهو أعلى متوسط ربعي لها منذ الربع الثالث لعام 2014، وحالياً تتداول عند حوالي 100 دولار للبرميل.
بالنظر إلى المستقبل، يرجح أن تبقى أسواق النفط تحت الضغط، نتيجة لتراجع إنتاج الخام الروسي بصورة حادة خلال الشهور القادمة. وهذا الأمر سيضيف مخاوف رئيسية بشأن قدرة تحالف أوبك وشركائها على رفع الإنتاج إلى المستويات المستهدفة، وهو أمر أصبح بالفعل موضع شك قبيل اندلاع الصراع الروسي- الأوكراني. لكن مقابل ذلك، هناك عدد من التطورات تقلل في الوقت الحالي من مخاطر حدوث زيادات كبيرة في أسعار النفط في المدى القريب. تشمل هذه التطورات: 1) تأثر طلب النفط في الصين نتيجة لتجدد عمليات الإغلاق المرتبطة بكوفيد-19، و2) المخاطر العامة المتصلة بانخفاض الطلب على النفط نتيجة لتباطؤ نمو الاقتصاد العالمي، و3) الإفراج عن 240 مليون برميل من النفط من الاحتياطيات الاستراتيجية للدول الأعضاء في وكالة الطاقة الدولية خلال الشهور الست القادمة. رغم ذلك كله، وحيث أن الوضع السياسي بشأن الصراع الروسي-الأوكراني لا يزال متقلباً، فمن غير المستبعد حدوث تحول جذري في الأحداث (كفرض عقوبات مباشرة على النفط والغاز الروسيين من قِبل الاتحاد الأوروبي)، يؤدي إلى ارتفاع مفاجئ في أسعار النفط.
آخذين جميع الظروف المشار إليها أعلاه في الاعتبار، فقد عدلنا تقديراتنا لأسعار خام برنت لعام 2022 ككل برفعها إلى 102 دولاراً للبرميل، مع ميل المخاطر إلى الاتجاه الصعودي