جولة “المؤشر الاقتصادي” وحوارات مع وجهاء “الزلفي”
الرياض – فطين عبيد
انطلقنا من الرياض وجهتنا الزلفي التي تبعد ثلاث ساعات بالمركبة، مررنا بمناطق تتناسق كحبات مسبحة منها رويغب، ملهم، الحسي، الجنيفي، حوطة سدير، جلاجل، الخطامة، الحصون، إضافة إلى مقبلة، رغبة، دينغ، تفريغة، دقلة، السفرات،المنسف، الدهناء، تخطينا المجمعة والغاط التي تعد الغاط التاريخية أهم معالمها حتى وصلنا عروس نجد الزلفي.
وفي الطريق لمحنا الكثير من اليافطات الارشادية الضخمة القصيم 290 كيلو حائل 550 كيلو، المدينة المنورة 760 كيلو، الجوف 900 كيلو، وكأن الزلفي مفتاحاً لكل تلك المناطق.
جبال من رمال بلون الذهب، تستعد لفصل الربيع واستقبال الزوار من المملكة ودول الخليج، ومزارع نخيل خضراء تنتشي بجذور عافيتها على امتداد البصر، تزيد من رونقها ماء “العقل” تلك الآبار التاريخية التي استلهمت اسمها من “العقال” الذي يلبسه أهل الجزيرة العربية، إذ كان الناس قديماً يربطون الدلو به ويسحبون الماء.
ترسم أشجار النخيل الوادعة الأمان على جناحي الطريق، فيما أعاليها تعانق بعض الغيوم الداكنة المحشوة بين خيوط أشعة الشمس، تمددت عروس نجد “الزلفي” بثوبها المرصع بالتراث والتمور
قرية علقة برفقة النخيل
بدأت جولة “المؤشر الاقتصادي” بزيارة قرية علقة التراثية برفقة الشاب أحمد النخيل من أبناء الزلفي، إذ قال: “تضم القرية بواقي 70 منزلاً من اللبن، ما زالت تعبق بأنفاس الآباء والأجداد، وكتبت حديثاً يافطات لتعريف الزائر بأصحاب هذه البيوت العتيقة منها الفرهود” “جارالله” “البواردي” “البداح” “السيف” “الطيار” والعشرات غيرهم مع تواريخ تعود لـ 300 عام مضت”.
وأضاف: “بقي المسجد ماثلاً بتقنية التبريد الذاتي عبر تجيير الطين للتهوية حسب عوامل الطقس، إذ مجرد النزول من الدرج للدور السفلي تشعر أن التهوية الطبيعة استعادت عافيتها”، مبيناً أن الموقع الاستراتيجي للزلفي التي يقطنها حالياً 75 ألف نسمة جعلها معبراً للتجارة بخاصة مع دولة الكويت التي ترتبط معها بعلاقات نسب وقربي.
وبين أن قرية “علقة” الخالية من السكان تقع خارج المحيط العمراني الحالي، وكأنها تعشق هدوء الأسلاف الذين سكنوها، وشيدوا بيوتها الطينية العتيقة، التي بقيت تجابه الريح وعوامل البيئة.
وبين أن المداخل الخمسة للزلفي سهلت الطرق التجارية من حولها، وبقيت شاهداً على أهميتها الاستراتيجية بين دول الخليج العربي.
عميد آل البداح
السائر بين المزارع في الزلفي يصدف بناية ضخمة بلا بوابة، وبمجرد الاقتراب يشتم رائحة البخور والعود والعطور والضيافة، وكذلك رائحة القهوة والشاي تنطلق من موقد توسط المكان وخرطومه العلوي متصل بالسقف ليبعثر الدخان بعيداً، ورجل في منتصف الثمانينيات توسد المجلس تحلق حوله الأقارب والأصدقاء والجيران والضيوف، يعرف بينهم عميد آل ابداح وهو الشيخ عبدالرحمن ابداح، الذي قال: “ورثت عادة ترك البيت بلا بوابة عن والدي و”جداني” فالمال لله، ونرحب باستقبال الضيوف أي وقت ليلاً أو نهاراً، فالبيت بلا بوابة والمجلس مفتوح بكافة مستلزماته وحاجات الضيافة للجميع، وتاريخ البيت يشهد أنه لم يسبق أن تعرض لأي عبث من أحد، بالعكس كل من يزور الزلفي يجد سقف وقلب يرحب به دون منة أو فضل، بل نحن من شكره على زيارته لمحافظتنا”، مشيراً إلى أنه من فضل الله بنى مسجداً قريباً من المجلس والمزرعة.
وأضاف: “المطل وهو من أشهر مناطق الزلف يتيح للزائر رؤية جماليات
المنطقة، الأضواء ليلاً تمنح ليل المكان تألقاً وتحدد بعض معالمها من “مليط” حتى آخر بقعة، ونهاراً تلمح المزارع والمرتفعات الرميلة، تنساب بين أحياء وحواري المحافظة، فتلمع جبالها الشهباء وكأنها سراج يضىء صحراء النفوذ”.
محمد الفوزان أصر على استضافة “المؤشر الاقتصادي”
أصر أحد وجهاء الزلفي “محمد الفوزان” على دعوة “المؤشر الاقتصادي” للغداء وتعريفنا بالكثيرين من وجهاء المنطقة، دخلنا بيته الذي كان عبارة عن أيقونة معمارية ضخمة تستند على أعمدة بدت مرتفعة جداً، ويغلف الصمت كامل المكان إلا من أصوات الطيور وهفيف الأشجار.
بادر بتعريفنا للموجودين، وقال: “بالعادة نتناوب على تبادل مكان الغداء، وفي كل يوم يكون بيت مختلف، حفاظاً على الأصدقاء والجيران وحتى أي شخص يريد الغداء، أهلاً وسهلاً “، إذ حسب وصفه الزلفي “ملتقى القلوب” ترحب بكل من يزورها، وأي ضيف عليه أن يعتبر جميع البيوت بيته”، همس في أذني أحد الضيوف صاحب البيت أسهم من ماله لتطوير مشاريع جماليات الزلفي ومنحها المزيد من التألق”.
أحد أبناء الزلفي خالد العليوي والذي يعمل في مجال الترجمة، بين أنه ولد في الزلفي مسقط رأس عائلته، وانتقل للرياض يوم كان عمره أربعة أعوام، إلا أنه بقي يحن للأقارب والمنزل القديم وأبناء جيله، فعاود استصلاح البيت ليواظب على زيارة المحافظة واستذكار لحظات الماضي، والاستمتاع بالطبيعة بين أشجار النخيل والتين”.
وأضاف: “كبار العمر يطلقون علي واخواني الأربعة أولاد عبدالله العليوي وقلة منهم من يميزنا بالاسم، فسمعة والدي تركت اسمه بين الجميع على رغم رحيله عنها قبل 75 عاماً، كما لا يزال وجود أخوالي وأعمامي بوصلة تربطنا بأجواء المكان “.
وأشار إلى أنه يعشق الشاعر الجاهلي “الحطيئة” الذي عاش في الزلفي بحسب الروايات التاريخية، وما زال يحفظ بعض أشعاره التي اختزلها في ذاكرته منذ الطفولة.
أحد وجهاء الزلفي علي العبد الكريم
الشيخ علي العبدالكريم الذي يعد من أبرز وجهاء الزلفي، أوضح أن الزلفي تستجمع الماضي والحاضر، ومنها معالم تراثية يزورها بالعادة السواح من خارج المنطقة مثل قصر الأمير سعود، وهو من حقبة الدولة السعودية الأولى، إضافة إلى متاحف ومزارع كثيرة، وكذلك قرية علقة التراثية، وكذلك قرى سمنان، عرير، جرة، عقلة، مبيناً أن السكان مرحبين بالضيوف وابتسامتهم أول عربون محبة محبه بلحظه فور وصوله، كما يشتهر أن كثيرين من أهل الزلفي أصبحوا رجال أعمال مشهورين على مستوى المملكة.
محمد الصحن: محافظتنا مزيلة للاكتئاب
محمد الزلفي من أبناء المحافظة، قال محمد الصحن أحد أبناء الزلفي والذي يعمل في المجال التجاري: “الزلفي بلد ريفي سياحي يستمتع الزائر بالطلوع للبراري، الهدوء وغياب الضوضاء، الجو طيب، كثير ممن يحضرون من خارج الزلفي يعشقون المكان، لأنه مزيل للاكتئاب والضغوط النفسية وضيقة الصدر، وندعو الجميع زيارتنا ورؤية الطيب والكرم العربي الأصيل”.
وأضاف: “تضم محافظتنا شاليهات كبيرة وصغيرة، منها المطل الشرقي وروضة السبلة، إضافة إلى جبل طويق الذي يلتقي مع صحراء النفوذ، كما هناك منطقة الجزر أو الكسر، إضافة إلى قصر سعود.
متحف الضويحي وركن المرأة برفقة صاحبه سليمان الضويحي
قال صاحب المتحف سليمان الضويحي: “المتحف يختزل حقب تاريخية عاشتها المملكة منها أسلحة تراثية وطوابع وعملات، إضافة إلى ملابس ومهن الحصادين والفوالين والمزارعين والسعافين والعشرات غيرهم.