جدوى للإستثمار: تراجع معدل البطالة في الربع الثالث لعام 2020
الرياض – عبده المهدي
قال تقرير حديث لشركة جدوى للإستثمار عن سوق العمل السعودي في الربع الثالث لعام 2020، أن معدل البطالة تراجع إلى 14,9 في المئة ، منخفضاً من 15,4 في المئة في الربع الثاني لعام 2020. وجاء هذا التحسن متوافقاً مع الانتعاش العام للنشاط الاقتصادي، بعد رفع القيود الصارمة عن حركة المجتمع والمتصلة بجائحة كوفيد-19 ابتداءً من يونيو 2020. وتراجعت معدلات البطالة وسط الذكور والإناث على حدّ سواء في الربع الثالث ، كما انخفض معدل البطالة وسط فئة الشباب ككل (20-24 عاماً) من 35,4 في المئة في الربع الثاني لعام 2020، إلى 34,2 في المئة في الربع الثالث لعام 2020.
وارتفع معدل مشاركة القوى العاملة بين السعوديين ككل بدرجة طفيفة في الربع الثالث لعام 2020، ليصل إلى 49 في المئة ، مقابل 48,8 في المئة في الربع الثاني لعام 2020، متأثراً بزيادة معدل المشاركة وسط الذكور (الذي ارتفع من 65,6 في المئة إلى 66 في المئة ، على أساس ربعي). في غضون ذلك، بقي معدل المشاركة وسط الإناث دون تغيير تقريباً.
إجمالاً، كذلك أظهرت بيانات الهيئة العامة للإحصاء زيادة عدد العاملين السعوديين في سوق العمل بنحو 87 ألف، مقابل تراجع عدد العاملين الأجانب بنحو 231 ألف في الربع الثالث لعام 2020، على أساس صافي، مقارنة بالربع الثاني. وفي ذات الوقت، تشير بيانات الهيئة العامة للإحصاء، إلى أن عدد التأشيرات الجديدة التي صدرت لعمالة أجنبية في القطاع الخاص في الربع الثالث لعام 2020 بلغ 46 ألف تأشيرة، مرتفعة بنحو 14 ألف عن إجمالي عدد التأشيرات التي صدرت خلال الربع الثاني. مع ذلك، تشير البيانات أيضاً إلى أن 99 في المئة من التأشيرات الصادرة لم تستخدم، في حين تم إلغاء الـ 1 في المئة المتبقية. رغم بعض التخفيف للقيود على رحلات الطيران للأجانب خلال الربع. من وجهة نظرنا، ربما يكون عدم الاستخدام للتأشيرات الصادرة للأجانب يعود إلى زيادة عدد العاملين السعوديين الذين تم تعيينهم في بعض الوظائف التي كان يشغلها أجانب في السابق.
بالنظر إلى التوظيف حسب القطاعات، شهد معظم القطاعات انخفاضاً في عدد العاملين الأجانب، لكن، في الوقت نفسه، شهدت معظم تلك القطاعات ارتفاعاً في عدد العاملين السعوديين. وفي الحقيقة، كانت قطاعات ”التعليم“، و“التعدين“، و“خدمات الكهرباء“ هي القطاعات الوحيدة التي سجلت تراجعاً في عدد
العاملين السعوديين. من ناحية أخرى، شملت القطاعات التي قدمت العدد الأكبر من الوظائف الجديدة للسعوديين: ”تجارة الجملة والتجزئة“، و“التشييد“، و“الصناعة“، وقد سجل اثنان من هذه القطاعات (”التشييد“ و“تجارة الجملة والتجزئة“)، إلى جانب قطاع ”الخدمات الإدارية“، أكبر التراجعات في عدد الأجانب.
اتساقاً مع توقعاتنا، نلاحظ ارتفاع مستوى استبدال العمالة الأجنبية بعمالة سعودية في قطاعات تجارة الجملة والتجزئة، والخدمات الإدارية، والصناعة، وخدمات الضيافة والأغذية ، وهو نمط توقعنا حدوثه في تقريرنا عن تطورات سوق العمل العام الماضي.
في غضون ذلك، واصلت الوظائف في قطاع ”التعليم“ بالنسبة للسعوديين تسجيل خسائر خلال الربع، وهو مسار نرجح استمراره في المدى القريب، تماشياً مع قرار مواصلة التعليم الافتراضي. وبما أن بعض القطاعات تأثرت بدرجة أكبر بسبب استمرار القيود التي اقتضتها الجائحة، فكان من المنطقي أن اختارت الشركات التي تعمل في مثل تلك القطاعات خفض النفقات العامة من خلال تقليل عدد العاملين. وفي ظل دعم العاملين السعوديين من خلال برنامج ”ساند“ (حتى نهاية يناير 2021) وكذلك صندوق تنمية الموارد البشرية، فإن التأثير الأكبر بشأن التوظيف وقع على العاملين الأجانب. ويرجح ان يكون الضغط قد زاد على العمالة الأجنبية، بسبب أن الشركات التي توظف عاملين أجانب اكثر من سعوديين واجهت زيادة الرسوم الشهرية إلى 800 ريال مقابل كل عامل أجنبي (700 ريال عام 2019)، أو 700 ريال إذا كانت وظفت سعوديين أكثر في عام 2020 (مقارنة بـ 600 ريال عام 2019). ورغم أن وزارة المالية أجلت دفع بعض تلك الرسوم خلال معظم الربع الثاني عام 2020، لكن تم استئناف الدفع ابتداءً من الربع الثالث. لذا، فإن جميع تلك العوامل ساهمت في رفع التكلفة الكلية لتوظيف الأجانب في الشركات.
بصفة عامة، نعتقد أن اتجاه التوظيف بالنسبة للسعوديين خلال الربع الثالث جاء كنتيجة مباشرة للإجراءات التي تمت من خلال برنامج دعم التوظيف الذي يشرف عليه صندوق تنمية الموارد البشرية وبرنامج ”ساند“. وكما أوضحنا سابقاً، فإن كلا البرنامجين ساهم في تقليل مستوى خسارة الوظائف في سوق العمل إجمالاً. إضافة إلى ذلك، كان سوق العمل قد تأثر إيجاباً برفع معظم قيود الإغلاق خلال الربع، والذي ساعد، بدوره، في خلق وظائف للسعوديين في قطاعات كانت قد تضررت خلال الربع الثاني، كما هو الحال في قطاعي ”تجارة الجملة والتجزئة“، و“المطاعم والفنادق“. وفي الواقع، تعزز كل من هذين القطاعين بفضل برامج السياحة داخل المملكة خلال فصل الصيف، والتي نعتقد أنها ساعدت في إيجاد العديد من الوظائف الموسمية، ومرة أخرى هذا الأمر كما قد أشرنا إليه في تقريرنا السابق عن تطورات سوق العمل.
بالنظر إلى المستقبل، تحسن مستوى الثقة لدى الشركات خلال الربع الرابع، حيث تشير أحدث قراءة لمؤشر مديري المشتريات (لشهر ديسمبر) إلى حدوث توسع في الاقتصاد، وذلك نتيجة لإظهار القطاع الخاص تحسن في مستوى التفاؤل بعد الأخبار عن انطلاق عمليات التطعيم ضد كوفيد-19 حول المملكة (للمزيد من التفاصيل، يمكن الاطلاع على آخر تقاريرنا عن الموجز البياني للاقتصاد السعودي). والحال كذلك، نتوقع أن نشهد تحسناً في معدل البطالة في المملكة في الربع الرابع، تماشياً مع التعافي في عدد من المؤشرات الاقتصادية خلال الربع. رغم ذلك، وعلى ضوء أحدث البيانات، فقد عدلنا توقعاتنا بشأن البطالة في نهاية عام 2020 برفعها من 12 في المئة ، حسب تقديرانا السابقة، إلى 14 في المئة .
وبالنظر إلى فترة أبعد، في عام 2021، يتوقع أن يتم سحب برنامج ”ساند“ في يناير 2021، مما يخلق بعض التحديات أمام تحقيق تراجعات متسقة في مستويات البطالة. مع ذلك، هناك عدد من الإيجابيات التي ستقدم الدعم لسوق العمل في الفترة القادمة. أولاً، وكما أوضحنا أعلاه، تشير أحدث البيانات الاقتصادية إلى تعافي الاقتصاد المحلي ونتوقع انتعاشاً واسعاً في عام 2021. بصورة أكثر تحديداً، وفي ظل مواصلة المملكة برنامج التلقيح ضد كوفيد-19، نتوقع تسارع التعافي الاقتصادي مع زيادة عدد السكان الذين يحصلون على التطعيم، وستدعم جميع تلك العوامل نمو التوظيف خلال عام 2021. إضافة إلى ذلك، نتوقع أن تتواصل وتيرة الإحلال الوظيفي لصالح السعوديين، وسيواصل قطاعا ”تجارة الجملة والتجزئة“ و“خدمات الضيافة والأغذية“ تسجيل زيادات في أعداد السعوديين. علاوة على ذلك، وبما أن العديد من الدول لا تزال تحد من السفر وتأشيرات العمل، نتوقع أن نشهد تراجعاً في أعداد العاملين الأجانب القادمين إلى المملكة، على الأقل في المدى القريب. وأخيراً، يتوقع أن تواصل فرص التوظيف الموسمي نموها خلال العام، تماشياً مع أنشطة السياحة والترفيه التي تم إطلاقها، والتي ستدعم أيضاً توظيف السعوديين بصفة عامة.