كامكو إنفست: تعافي قطاع العقار الخليجي في العام 2021 سيتطلب محفزات هيكلية
الرياض – عبده المهدي
قال تقرير حديث لـ كامكو إنفست أن قيمة الصفقات العقارية تراجعت في دول مجلس التعاون الخليجي في الفترة الممتدة ما بين يناير 2020 إلى أكتوبر 2020 مقارنة بمستويات العام الماضي، اذ انخفضت القيمة الإجمالية للصفقات بنسبة 4 في المائة على أساس سنوي إلى 72.1 مليار دولار مقابل 75.5 مليار دولار في الفترة المماثلة من العام 2019، وفقاً لتقديراتنا. واستحوذت السعودية على أكثر من 52 في المائة من قيمة الصفقات، بينما ساهمت الإمارات بنسبة 21.6 في المائة من إجمالي قيمة الصفقات العقارية في المنطقة. إلا انه على الرغم من ذلك، ارتفع متوسط قيمة المعاملة لكل صفقة عقارية بنسبة 7.6 في المائة على أساس سنوي ليصل إلى حوالي 166,105 دولار أمريكي خلال الفترة الممتدة ما بين يناير 2020 إلى أكتوبر 2020 مقابل حوالي 154,365 دولار أمريكي في الفترة المماثلة من العام 2019. من جهة أخرى، انخفض عدد الصفقات منذ بداية العام حتى أكتوبر 2020 بنحو 11 في المائة على أساس سنوي إلى 434,158 صفقة. ويعزى انخفاض كمية وقيمة الصفقات على أساس سنوي إلى التأثير السلبي الناجم عن جائحة كوفيد-19 على الطلب العقاري وشرائحه الفرعية المختلفة. كما إن علامات التراجع الحاد التي شهدتها الصفقات العقارية خلال العام 2019 سوف تمتد الآن حتى العام 2021 إلى ان تعود ظروف الطلب إلى طبيعتها الاعتيادية بعد انتهاء الجائحة. ونتوقع أن يتقلص جانب العرض بشكل دوري في العام 2021 من حيث تراجع اعلان المطورين عن المشاريع المستقبلية نظراً لضعف بيئة الطلب السائدة حالياً، وهو الأمر الذي من شأنه المساهمة في الحد من الانخفاض الحاد للأسعار والإيجارات في المستقبل. إلا اننا نعتقد أنه ستكون هناك حاجة للمحفزات الهيكلية لتلبية اتجاهات الطلب المتغيرة ضمن كل قطاع من القطاعات الفرعية لسوق العقار.
تزايد عدم القدرة على تحمل التكاليف السكنية مع تفشي الجائحة
تسببت جائحة كوفيد-19 في إضافة المزيد من الرياح المعاكسة امام طلب المستخدمين النهائيين في قطاع العقارات السكنية في دول مجلس التعاون الخليجي مما أدى إلى انخفاض الإيجارات والأسعار على أساس سنوي في العام 2020 وذلك على الرغم من العرض المحدود وطرح العديد من المبادرات الحكومية لامتلاك المنازل. وتعرضت الإيجارات في كافة الأسواق السكنية للعديد من الضغوط خلال العام 2020، حيث توجه المستأجرون نحو التوفير والتحول إلى مساكن أقل تكلفة، أو توجهوا للحصول على المزيد من الحوافز المشجعة في عقود الإيجار القائمة. وكان مستوى تراجع الإيجارات أعلى من انخفاض الأسعار في العام 2020، اذ فضل بعض البائعين تأجيل بيع الشقق والفيلات السكنية سعياً منهم للحصول على أسعار أعلى في المستقبل. ونتيجة لذلك، تقلصت العائدات بنهاية العام 2020 نتيجة للانخفاض المتزايد في الإيجارات وتراجع صفقات البيع سواء في سوق إعادة البيع أو على المخطط. ومستقبلياً، من المتوقع أن يظل السوق السكني واقعاً تحت الضغوط إلى أن تتحسن أساسيات القطاعات الرئيسية الأخرى مثل أعداد الأسر ومعدلات التوظيف. كما نتوقع أيضاً أن يواصل المطورون تقديم مجموعة من الحوافز مثل الإعفاء من الرسوم وعرض بعض الخصومات وعقود الإيجار المنتهي بالتملك، هذا إلى جانب توفير خيارات التمويل العقاري لجذب المستثمرين الجدد والمستخدم النهائي للاستفادة من الأسعار المنخفضة.
نماذج حديثة لتحفيز الطلب المستقبلي على المساحات المكتبية
مع بداية تفشي جائحة كوفيد-19 استمرت إيجارات أسواق المكاتب الرئيسية على مستوى المنطقة في التراجع مع ظهور المزيد من الانقسام داخل كل سوق. وعلى الرغم من أن ضعف الإيجارات كان واضحاً على مستوى السوق، إلا أن المساحات المكتبية المميزة من الدرجة الأولى تميزت بإيجارات أعلى وذلك لان مستوى إيجارات عقودها السابقة كان أقل من المستويات السائدة في السوق. كما حدثت ايضاً تغييرات هيكلية في مشهد الطلب على المساحات المكتبية مما أدى إلى زيادة الطلب على المكاتب المرنة وتزايد مفهوم العمل عن بعد والعمل من المنزل ونماذج المكاتب الهجينة. كما تحرص الشركات على الحد من الأصول الثابتة وتفضل معاملات البيع وإعادة التأجير. ويبدو أن الطلب على المساحات المكتبية المرنة، الذي سيطرت عليه الشركات الناشئة والشركات الصغيرة والمتوسطة قبل الجائحة، يشهد الآن اقبالاً ملحوظاً من الشركات الرئيسية التي تفضل التأجير بدلاً من الحصول على مساحات مكتبية خاصة بها من أجل تقليل التكاليف الرأسمالية. وهناك نموذج آخر من نماذج المساحات المكتبية الهجينة والذي يعتبره مشغلي المساحات المكتبية أكثر مرونة حيث يجمع ما بين العقود النموذجية طويلة الأجل ومساحات العمل المشتركة. ويعمل النموذج الهجين على تنويع مصادر الإيرادات لمالكي العقارات والحفاظ على استمرارية تلبية المساحات المكتبية للطلب على المديين الطويل والقصير. وبإمكان مشغلي المساحات المكتبية في دول مجلس التعاون الخليجي اتباع هذا الاتجاه الأكثر بروزًا في منطقة آسيا والمحيط الهادئ والاتحاد الأوروبي، وتخصيص جزء أكبر من إيجارات المساحات المكتبية الخاصة بهم للمساحات المكتبية المرنة والهجينة، حيث يمكن أن يؤدي الدعم الحكومي للشركات الصغيرة والمتوسطة والمرونة التي تتطلبها الشركات الرئيسية إلى زيادة الطلب. كما يتوافر ايضاً مصدراً بديلاً آخر للطلب على المساحات المكتبية يتمثل في المساحات المكتبية التي تم تعدليها للاستخدام كمراكز بيانات، حيث ساهم تفشي جائحة كوفيد-19 في تسريع الانتقال إلى البنية التحتية الرقمية للقطاعات التي تعد مستخدماً رئيسياً للتكنولوجيا والخدمات المالية.
استمرار التناقض بين أداء القطاعين الصناعي والبيع بالتجزئة
بالنسبة للعقارات الصناعية، تتمثل المصادر الحديثة لنمو الطلب في التجارة الإلكترونية ولوجستيات الطرف الثالث (3PL) والأدوية والنماذج الحديثة لقطاع الأغذية والمشروبات مثل المطاعم التي تقدم خدماتها عبر تطبيقات الهواتف الذكية والمعروفة باسم ” cloud kitchens“والزراعة العمودية. إلا ان تزايد الطلب قد أدى إلى زيادة العرض المتوافر في السوق مما جعل الإيجارات أكثر تنافسية لمختلف أنواع المساحات التخزينية، وفي بعض الحالات أدى إلى انخفاض هامشي في الإيجارات نظراً لسعي الملاك لكسب حصة سوقية. وعلى الرغم من ذلك، ما تزال عائدات المستودعات الصناعية الرئيسية في دول مجلس التعاون الخليجي قوية عند مستوى 7 – 8 في المائة، مما يجعلها الشريحة المفضلة للانكشاف عليها على مستوى قطاع العقار الخليجي. كما أن الطلب الناشئ عن التجارة الإلكترونية ولوجستيات الطرف الثالث وقطاع الأدوية والسلع الاستهلاكية سريعة التداول، وخاصة من المتاجر الكبرى (هايبر ماركيت) ستواصل تعزيز الطلب على وحدات التخزين الالية المصممة خصيصاً لتناسب تلك الأغراض والوحدات التي يمكن التحكم في درجة حرارتها ووحدات التخزين المبردة.
وخلال العام 2020، شهدت إيجارات قطاع التجزئة في دول مجلس التعاون الخليجي عمليات تصحيح بنسب مزدوجة أو نسب مرتفعة أحادية الرقم عبر مختلف الأسواق، حيث طالب تجار التجزئة بإعادة هيكلة صفقات الإيجار وسعوا للحصول على فترات إضافية معفاة من الإيجار، كما تفاوضوا على معدل تحصيل الإيجارات. واستمر خلال العام طابع الانخفاض المستمر في الإنفاق الاستهلاكي بالإضافة إلى تراجع وتيرة تردد المستهلكين على المحلات التجارية وتحول المبيعات للمنصات الالكترونية. كما يتزعم تجار التجزئة خطط التوسع عبر استراتيجيات القنوات الشاملة من خلال تفاعل المستهلكين مع العلامة التجارية عبر قنوات متعددة. وإلى جانب المحلات التجارية والمواقع الالكترونية والتطبيقات الذكية تتضمن الاستراتيجيات التي يستخدمها تجار التجزئة التواجد في السوق والبيع من خلال وسائل التواصل الاجتماعي وإقامة الشراكات مع لوجستيات توصيل الميل الأخير. وتعزى الاتجاهات المتعارضة التي شهدها قطاعي الصناعة وتجارة التجزئة إلى حد كبير إلى لجوء تجار التجزئة إلى استراتيجيات القنوات المتعددة سالفة الذكر. وبعد انتهاء جائحة كوفيد-19، نتوقع استمرار مساهمة مستأجري قطاعات الترفيه والأغذية والمشروبات في تعزيز الطلب على مساحات مراكز التسوق في المنطقة مقابل الطلب من مستأجري محلات التجزئة. كما نتوقع من وجهة نظرنا استمرار هذا الاتجاه نظراً لتوافر عدد محدود من بدائل الترفيه المتاحة للمقيمين في دول مجلس التعاون الخليجي.
أداء الأسهم العقارية يتوقف على اداء شركات محددة
تعافت الأسهم العقارية بنهاية نوفمبر 2020 بالتزامن مع تحسن أداء الأسواق بصفة عامة مقارنة بأدنى مستوياتها المسجلة في مارس 2020 والتي نتجت عن العمليات البيعية المكثفة للأسهم العالمية مع بداية ظهور الجائحة. إذ تراجع مؤشر العائد الكلي للعقارات الخليجية الصادر عن شركة ريفينيتيف بنسبة 31.6 في المائة خلال الفترة الممتدة ما بين يناير 2020 إلى 23 مارس 2020، إلا ان أداءه تحسن بنهاية نوفمبر 2020، لينهى تداولاته مغلقاً على ارتفاع هامشي منذ بداية العام الحالي حتى تاريخه. وشهدت مؤشرات الأسهم الإقليمية المرتبطة بقطاع العقار تحركات حادة، إلا انه في أغلب الحالات، كان الأداء مدفوعاً بصفة خاصة بأسماء الشركات ذات القيمة السوقية المرتفعة والتي كان لها تأثيراً مباشراً على مؤشر القطاع. ويقوم المطورون في المنطقة بإعادة النظر في بعض المشاريع الرئيسية في ضوء ضعف بيئة الطلب الحالية وإجراء تعديلات على جانب العرض، وهو الأمر الذي من شأنه أن يساهم في تعزيز استقرار القطاع. لذلك نتوقع أن يظل أداء القطاع ككل متوقفاً على أداء أسهم محددة خلال العام 2021، حيث يركز السوق على معدل العائد الداخلي للمشروع واتضاح رؤية التدفقات النقدية، وذلك حتى تتحسن توقعات الطلب على المديين القريب والمتوسط للقطاع العقاري ككل والقطاعات الفرعية المختلفة.