الدروس التي يمكن استخلاصها من قطاع الطيران لتسريع اعتماد تقنيات القيادة الذاتية في منطقة الشرق الأوسط

دبي – صحيفة المؤشر الاقتصادي
كشف تقرير صادر عن شركة ستراتيجي& التابعة لشبكة بي دبليو سي، أن الآثار التي خلفتها جائحة كوفيد – 19 على الاقتصادات والمجتمعات حول العالم، وما تبعها من فرض إجراءات التباعد الاجتماعي، والانتشار الواسع للتعاملات اللاتلامسية والخالية من أي اتصال مباشر بين الأشخاص، إلى تسريع وتيرة البرامج التجريبية الواسعة النطاق لتقنيات السيارات الذاتية القيادة، والذي ترافق مع لجوء العديد من المؤسسات العامة والخاصة في مختلف أنحاء العالم إلى استخدام السيارات الذاتية القيادة لنقل الركاب، والإمدادات الطبية، والمواد الغذائية، والطرود وغيرها. ونظراً إلى الفوائد العديدة المحتملة لاستخدام السيارات ذاتية القيادة، فإنَّ أمام الحكومات في دول الشرق الأوسط فرصة سانحة للأخذ بزمام المبادرة والمباشرة بإيجاد الظروف المناسبة لتبني واعتماد تقنيات القيادة الذاتية الواعدة من حيث تعزيز كفاءة النقل، وتوافر متطلبات الأمن والسلامة، وتحسين مستوى الحياة بشكل عام في المجتمعات العمرانية.
وتشهد السوق العالمية لتقنيات القيادة الذاتية نمواً سريعاً، حيث تشير التقديرات إلى أن حجم هذا القطاع الذي بلغ حوالي 54 مليار دولار في عام 2019، قد يواصل ارتفاعه ليصل إلى نحو 557 مليار دولار بحلول العام 2026، وذلك بحسب تقرير كشفت عنه مؤخراً شركة “آلايد لأبحاث السوق”. وهناك حالياً نحو 100 مدينة حول العالم تجري فيها اختبارات على أحد أشكال البرامج التجريبية على الأقل، إلا أن العديد منها لا تركز سوى على نطاق الاختبار الذي تستطيع الشركات أن تجريه على شبكة الطرق العامة. وتأتي كل من الصين وألمانيا واليابان وهولندا وسنغافورة والسويد والمملكة المتحدة والولايات المتحدة في طليعة الدول التي تعمل على وضع الأطر التنظيمية المناسبة لدعم الاختبار الآمن للسيارات الذاتية القيادة.
وعلى الرغم من التقدم الكبير الذي تم إحرازه على هذا الصعيد خلال الأعوام القليلة الماضية، لازالت هناك الكثير من العقبات التي تحول دون اعتماد تقنيات القيادة الذاتية، بما في ذلك بروتوكولات التواصل، ومعايير البنية التحتية، واعتبارات المسؤولية.
أما في دول المنطقة، فقد بدأت حكومة دبي بتنفيذ خطة طموحة لتحويل ربع وسائل النقل في الإمارة إلى ذاتية القيادة بحلول عام 2030. وفي هذا الإطار، وضعت هيئة الطرق والمواصلات مطلع عام 2020 تشريعاً جديداً للأفراد والشركات والهيئات العامة التي ترغب في إطلاق أي من أشكال وسائل النقل الذاتية القيادة في إمارة دبي. وقد قطعت وسائل النقل العام مثل خدمات النقل المتكاملة بالحافلات والحافلات السريعة شوطاً كبيراً نحو تحقيق الاعتماد الكامل على القيادة الذاتية. وانتهجت شركات القطاع الخاص مساراً مشابهاً، إذ أعلنت شركة “نون دوت كوم” للتجارة الإلكترونية في العام 2019 عن عزمها اختبار السيارات الذاتية القيادة المصممة لتقديم خدمات التوصيل في الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.
وفي هذا الصدد، قال كميل طحان، الشريك في ستراتيجي& الشرق الأوسط: “لا تمثل التكنولوجيا سوى جانباً واحداً فحسب من جوانب القيادة الذاتية، ومن غير المرجح أن تكون هي العقبة الأكبر على طريق اعتماد هذه التقنيات. إذ أن هناك العديد من المسائل الأخرى التي ينبغي على الحكومات معالجتها أولاً، كإدخال التعديلات الضرورية على البنية التحتية والأنظمة واللوائح المرعية. وسيتعين على مصنعي المعدات الأصلية وشركات الاتصالات التعاون عن كثب لإرساء المعايير الضرورية لتقنيات التواصل. كما سيتعين على شركات التأمين أن تعيد النظر في المسؤولية الناجمة عن حوادث السيارات. في حين يلعب المستهلكون دوراً محورياً في المساعدة على تبني هذه التقنيات، عبر وضع ثقتهم في المقام الأول بإجراءات الأمن والسلامة المطبقة”.
وينطوي كل ماسبق على العديد من التحديات، إلا أنها ليست بالجديدة على الإطلاق. وفي الواقع، يعمل قطاع الطيران التجاري في غالبية الأحيان بواسطة أنظمة مؤتمتة ومعايير تقنية محددة عالمياً وفق أطر تنظيمية معدّة جيداً تحكم منظومة الطيران المدني الدولية. وفي هذا الإطار، بوسع الحكومات والمصنعين وغيرهم من الأطراف المعنية الاستفادة من تجربة الطيران المدني لتطوير السياسات، والأنظمة، والبنية التحتية، والبيئة التجارية التي ستسمح بالإدخال الآمن والفعال والواسع الانتشار لتقنيات القيادة الذاتية.
وقد حدد تقرير ستراتيجي&، ثلاثة مجالات رئيسية يمكن من خلالها استخلاص الدروس والعبر من تجربة قطاع الطيران المدني وتطبيقها لاحقاً بالشكل الأنسب في قطاع القيادة الذاتية:
- البنية التحتية
يستخدم الطيران المدني مجموعة واسعة من البنى التحتية المادية والتقنية للحفاظ على معايير سلامة مرتفعة للغاية، مثل أنظمة الاتصالات المتعددة ونظام تجنب التصادم الجوي.
- الأنظمة المرعية
تضع السلطات الدولية مبادئ وأنظمة تلتزم بها شركات الطيران، ومصنعو المعدات الأصلية، ومزودو خدمات مراقبة الملاحة الجوية. وثمة معايير ثابتة ومتفق عليها للتشغيل المتبادل والسلامة، مما يشجع على زيادة الطلب من قبل المستهلكين.
- منظومة القطاعين العام والخاص
يمكن تسيير الطائرات باستخدام تقنيات الملاحة الذاتية القيادة بسبب توافر مجموعة كبيرة من الأنظمة الاحتياطية، والتي تضم الطيارين، ومراكز مراقبة تشغيل الطيران، ومنشآت مراقبة الحركة الجوية، وغير ذلك من الهيئات التابعة للقطاعين العام والخاص. وهنالك أيضاً شبكة واسعة من الأطراف والهيئات المعنية من القطاعين العام والخاص المسؤولة عن العمليات والمراقبة والصيانة، والتي تضم مصنعي المعدات الأصلية، والسلطات المسؤولة عن إدارة الحركة الجوية، ومزودي خدمات الاتصالات، ومقدمي خدمات البيانات وغيرهم الكثير.
من جهته، قال جيراسيموس سكالتاس، المدير في ستراتيجي& الشرق الأوسط : “في إمكان الأتمتة المتنامية في قطاع الطيران أن تقدم دروساً مفيدة لقطاع السيارات في إطار سعيها إلى تجاوز العقبات التي تحول دون تبنيها. إذ تمكن قطاع الطيران التجاري من العمل بقدر كبير من الاستقلالية من ناحية استخدام الطائرات لعقود طويلة من الزمن، وذلك من خلال اعتماد معايير تقنية محددة ومتفق عليها على أساس دولي”.
وترتكز جهود الأتمتة في القطاعين على الأساس المنطقي ذاته: فالسلامة تأتي في المقام الأول، فيما الكفاءة، والموثوقية، وإدارة الازدحام، وغير ذلك من العوامل تعتبر أموراً ثانوية على الرغم من أهميتها البالغة. وسيتعين على الحكومات ومصنعي المعدات الأصلية الاتفاق على معايير واضحة في عدد من المجالات كاختبار السيارات، ومسؤولية التأمين، والأمن السيبراني.
ووفقاً للتقرير، سيتطلب اعتماد القيادة الذاتية بالكامل سلسلة قيمة كاملة من الموردين، والبنية التحتية، ومراقبي حركة المرور. والأهم من ذلك أن السيارات الذاتية القيادة ستتطلب نظم اتصالات وأنظمة موحدة تسمح بالحركة السلسة عبر الحدود والولايات القضائية. وهذا يعني تنسيق إدارة الحركة عبر المستويات المحلية والوطنية والدولية. وسيكون على المشغلين والهيئات التنظيمية أيضاً بناء نظمهم الخاصة بالإدارة المتداخلة للحركة، ما يجعلها أقرب إلى المراكز الحكومية المسؤولة عن مراقبة الحركة الجوية.
بدوره، قال نبيل قاطيشا، المدير في ستراتيجي& الشرق الأوسط: ” لقد أصبحنا قاب قوسين أو أدنى من الحصول على التكنولوجيا اللازمة لجعل السيارات ذاتية القيادة تجوب شوارعنا بثقة وأمان. ومن المهم أن تعمل الحكومات التي تتمتع برؤية مستقبلية على استخلاص الدروس والعبر من قطاع الطيران، والاستفادة منها في تعزيز التعاون بين مختلف الجهات المعنية في القطاعين العام والخاص، وإنشاء بنية تحتية – مادية وتقنية – قادرة على توفير الدعم للقطاع، وصياغة القواعد والأنظمة التي من شأنها جعل أنظمة النقل ذاتية القيادة الأكثر أماناً وكفاءة. علاوةً على ذلك، يتعين على مختلف أصحاب المصلحة في القطاع الخاص إعادة النظر في نماذج أعمالهم لتصبح أكثر ملاءمة للوضع المستجد، وإعادة صياغة منتجاتهم وعروضهم التجارية بما يتماشى مع مستقبل قطاع السيارات الذي لاشك في أنه سيكون مختلفاً جداً للغاية”.