الهوية الرقمية مفتاح التنمية المستدامة في الشرق الأوسط
الرياض – صحيفة المؤشر الاقتصادي
يمتلك حوالي 3.4 مليار شخص حول العالم نوعاً من أنواع تحديد الهوية، لكنهم غير قادرين على الاستفادة منها عبر شبكة الإنترنت للوصول إلى الخدمات العامة و/أو الخاصة. يناقش ريتشارد ميخايل، رئيس “آيديميا” في الشرق الأوسط وأفريقيا، كيف يمكن للهويات الرقمية الآمنة والموثوقة أن تغيّر مستقبل 400 مليون مقيم في منطقة الشرق الأوسط، ما يتيح لهم الوصول إلى فرص اقتصادية واجتماعية جديدة، مع التأكد من سلامة البيانات وخصوصيتها.
لقد أتاح التحول الرقمي الفرصة للفرد من أجل إجراء معاملاته اليومية، ومنحه القدرة على الوصول إلى الخدمات العامة و/أو الخاصة من خلال إنشاء هوية رقمية (ID). وتظهر أحدث الإحصاءات، أن الحكومات في مختلف أنحاء العالم أطلقت أكثر من 165 نظاماً للهوية الرقمية أو الرقمية جزئياً. وعلى الرغم من أنه لا يزال من الصعب تقييم هذه الأنظمة، فإن الزيادة في ابتكارها تظهر فقط أن الحكومات واثقة من التأثير الإيجابي للهوية الرقمية على تطور البلدان المعنية.
تفاقم هذا النمو البطيء ولكن المطّرد للهوية الرقمية مرة أخرى، ويعود السبب في ذلك إلى واقع انتشار الجائحة الراهن. واستفاد العديد من الحكومات من أنظمة الهوية الرقمية من أجل ضمان وصول المساعدات إلى الفئات الأكثر ضعفاً بين السكان. ومثال على ذلك، فإن نظام الهوية الرقمية في تشيلي قد أتاح لحكومتها القيام بالتسجيل المسبق لملايين المستفدين الجدد من البرامج الاجتماعية عبر شبكة الإنترنت. وبالإضافة إلى ذلك، يسمح هذا النظام أيضاً للأشخاص من التحقق من أوضاعهم وطلب المساعدة عبر الإنترنت.
إن إمكانات التطور والنمو عبر استخدم هوية رقمية “قوية” قد أصبحت مسألة واضحة للعيان: في حال تخفيف المخاطر، فإن “ماكنزي” تضع القيمة الاقتصادية التي يمكن إطلاقها بواسطتها، في أي مكان ما بين 3% و13% من الناتج المحلي الإجمالي بحلول العام 2030. وإذا ما نظرنا إلى منطقة الشرق الأوسط عن كثب، فإن الخبراء يتوقعون أن يكون تأثير التحول الرقمي على الاقتصاد كبيراً. فمع حلول العام 2030، فإن الناتج المحلي الإجمالي لدول منطقة الشرق الأوسط يمكن أن ينمو من 2.6 تريليون دولار أمريكي إلى 4.15 تريلون دولار. ليس هناك أدنى شك في أن الوقت قد حان الآن للكيانات الخاصة والعامة لكي تحدّث أنظمتها وبنيتها التحتية من أجل ضمان تجول رقمي أكثر راحة وأماناً وسلاسة للأفراد.
وأظهرت الدراسات أن منطقة الشرق الأوسط قد استخدمت فقط ما بين 4% و17% من إجمالي إمكاناتها الرقمية . واعتباراً من العام 2019، فإن 50% من الدول العربية فقط قد باشرت في تحويل نظام الهوية الأساسي الخاص بها إلى إطار رقمي. وأحد الأمثلة البارزة في هذا الإطار، هو نظام UAE PASS الذي تعتمده دولة الإمارات العربية المتحدة والذي يوفر هوية رقمية معتمدة من خلال الهواتف الذكية ويتضمن ميزة التوقيع الرقمي التي تتيح للمستخدمين توقيع المستندات الرسمية. وسوف تعمل المبادرة الجديدة على دفع عجلة التنمية عبر النظام البيئي للخدمات الحكومية، وهو ما يعطي دفعاً قوياً للتواصل بين الجهات المحلية والاتحادية من جهة، والقطاع الخاص من جهة أخرى، بالإضافة إلى منح المواطنين والمقيمين الوصول إلى أكثر 5 آلاف خدمة حكومية والعديد من خدمات القطاع الخاص.
وعلى ضوء الإمكانات الكبيرة التي يحملها هذا التحول الرقمي في طياته، بادر مجلس الوحدة الاقتصادية العربية العربية التابع لجامعة الدول العربية إلى إطلاق مبادرة “الرؤية العربية للاقتصاد الرقمي” في العام 2018. وتهدف هذه المبادرة، المدعومة بشكل فعّال من قبل مؤسسات مرموقة مثل جامعة “هارفرد” ومنظمات وهيئات دولية على غرار منظمة الأمم المتحدة، إلى تعزيز وتطوير الاقتصاد الرقمي، بما في ذلك التجارة الإلكترونية وخدمات الهوية الرقمية والحكومة الإلكترونية في العالم العربي.
في أغسطس 2020، حظيت “آيديميا” بشرف أن تصبح شريكاً استراتيجياً من أجل دعم “الرؤية العربية” للمحلس الهادفة إلى تأسيس أنظمة اقتصادية في العالم العربي تقوم على أسس التنمية المستدامة. ومن هذا المنطلق، فإن “آيديميا” والمجلس سوف يتعاونان من أجل دعم وتنفيذ عدد من المشاريع الاستراتيجية والحيوية في الدول العربية، كما أن هذه الشراكة سوف تساهم في تحسين القدرة التنافسية للاقتصادات العربية وتعزيز اندماجها في الاقتصاد العالمي. وتُقدر القيمة الإجمالية للمشاريع المستهدف تنفيذها بحوالي 200 مليون دولار أمريكي، ومن المتوقع أن يكون لها عائد اقتصادي كبير لدعم الابتكار ونماذج الأعمال الرقمية والبيئات في القطاعين الحكومي والخاص في دول المنطقة.