تجارة و أعمال

دور حيوي لمستثمري منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا للوصول بالانبعاثات إلى صفر بحلول عام 2050

أبوظبي –  صحيفة  المؤشر الاقتصادي

يلعب المستثمرون في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا دورًا حيويا في المساعدة للوصول بالانبعاثات الكربونية إلى درجة صفر Net Zero 2050 بحلول عام 2050، إذ يؤكد الخبراء في مؤسسة أبردين ستاندرد للاستثمارات (ASI) أنه يتعين على المستثمرين التعهد بخفض الانبعاثات من شركاتهم وأعمالهم لتحقيق هذا الهدف المهم والذي يعم أثره على الجميع.  

وتأتي تأكيدات الخبراء في الوقت الذي تتزايد فيه أعداد المتعهدين من البلدان والمدن والشركات في المنطقة وحول العالم أجمع، بأن يصبح صافي الانبعاثات صفرًا Net Zero 2050 بحلول عام 2050 لتحقيق أهداف اتفاقية باريس للمناخ، وفي الواقع تشير التقديرات العالمية مجتمعة إلى أهمية الوزن النسبي لهذه التعهدات من منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فالانبعاثات ذات الصلة بهذه التعهدات تقارب 25٪ من الانبعاثات العالمية و50٪ من الناتج العالمي.

واستطاعت بالفعل بعض القطاعات البدء في خفض الانبعاثات، بسبب وجود تقنيات فعالة من حيث التكلفة لخفض غازات الاحتباس الحراري إلى الصفر من خلال الكهرباء. في المقابل ثمة صناعات أخرى مثل الطيران ومواد البناء والزراعة يعتبر تقليل الانبعاثات إلى الصفر أمراً معقدًا تقنيًا أو مستحيلًا أو مكلفًا على نحو ملحوظ، وبالتالي ستبقى نسبة من الانبعاثات.

وحدثت جملة من التطورات الإيجابية الملفتة؛ ففي شهر يوليو الماضي تعهدت شركة أرامكو السعودية، كبرى شركات النفط في العالم، بخفض كثافة الكربون في إنتاجها من الوقود الأحفوري إلى ما بين 20 و21 كيلوجرامًا من ثاني أكسيد الكربون لكل برميل من الخام بحلول عام 2025، أو 13٪ أقل من مستويات عام 2017. ويعد هذا التعهد جزءًا من التزامها مبادرة شركات النفط والغاز بشأن المناخ OGCI التي تشمل شركات كبرى أخرى مثل شل وBP واكسون موبيل *. وفي وقت سابق من هذا العام، التزمت شركة الاتحاد للطيران -الناقل الوطني في دولة الإمارات- بحد أدنى من انبعاثات الكربون بحلول عام 2050 وخفض مستويات الانبعاثات الصافية لعام 2019 بمقدار النصف بحلول عام 2035 *.

وقالت إيفا كيرنز، المحللة المتخصصة في الحوكمة البيئة والاجتماعية وحوكمة الشركات في ASI: “إن مفهوم أن يصبح صافي الانبعاثات صفرًا Net Zero 2050 يعني أن هذه الانبعاثات المتبقية يجب إزالتها من الغلاف الجوي من خلال تقنيات الانبعاثات السلبية، بما في ذلك احتجاز الكربون وتخزينه، أو عن طريق مفلترات الكربون الطبيعية مثل الغابات. مع ذلك وعلى الرغم من وجود سبل للتخلص من الانبعاثات، فإنه لا يمكن للعديد من تقنيات الانبعاثات السلبية حاليًا العمل على نطاق واسع، لذلك قد تتعهد الشركات بتحقيق صافي صفر للإشارة إلى نواياها المستقبلية. وهذا يجعل من الصعب محاسبة الشركات على خفض الانبعاثات حاليا”.

وأضافت كيرنز: “كما يعتمد مدى الانبعاثات السلبية المطلوبة للوفاء باتفاقية باريس على سيناريو تغير المناخ وعلى الافتراضات المتعلقة بالسياسات والتطورات التكنولوجية، وبالتالي هناك قدر كبير من التشكك وعدم اليقين بشأن كيفية تحقيق صافي الصفر بالضبط. ولذا لمساعدة المستثمرين على فهم جوهر التعهدات بخفض الانبعاثات من المفيد فهم السياق الأوسع والخفض الحقيقي للانبعاثات مقابل التعويضات (تعويض وجود الكربون وموازنة تأثيره) وكيف تنعكس التعهدات في الإجراءات اليومية”.

والحقيقة أن معظم الشركات تتعهد بخفض انبعاثاتها والوصول إلى صافي صفر، لانبعاثات النطاقين (المستويين) 1 و2 أي الانبعاثات المباشرة من عملياتها واستهلاك الطاقة، لكن انبعاثات النطاق 3 لا تكون في الحسبان، وهي التي تشمل انبعاثات سلسلة التوريد الأولية والانبعاثات النهائية من المنتجات المباعة. وتعتبر انبعاثات النطاق 3 مهمة جدا، ففي قطاعات مثل النفط والغاز والسيارات والخدمات المالية، تكون معظم الانبعاثات هي المصنفة في إطار النطاق 3، فعلى سبيل المثال، 85٪ من انبعاثات النفط والغاز تقع ضمن النطاق 3، والشركات ليس لديها سيطرة مباشرة على هذه الانبعاثات وتعتمد إلى حد كبير على صانعي السياسات لتعيين سبل خفضها.

والإشارة واجبة هنا إلى أن بعض الشركات تختار موازنة انبعاثاتها من خلال خطط طوعية، لكن تظل شفافية هذه الخطط أمرا بالغ الأهمية إذ يجب أن تفي أي خطة موازنة بمعايير محددة ليتم التحقق منها خارجيًا.

وتتابع إيفا تحليلها قائلة: “تتمثل إحدى مشكلات موازنة الانبعاثات في أنه حاليا العمل على موازنة الانبعاثات أرخص بكثير من الاستثمار في الحلول المستدامة طويلة الأجل التي من شأنها تقليل الكربون حقًا. ومع ذلك، فإن النمو المتوقع في الطلب على الخفض والموازنة يجب أن يدفع السعر في النهاية إلى الرقم الأمثل المتوافق مع اتفاق باريس، على سبيل المثال، في عام 2019 أعلنت شركة EasyJet أنها تعوض انبعاثات رحلاتها على مدار ثلاث سنوات مقابل 25 مليون جنيه إسترليني سنويًا. هذا يعادل 3 جنيهات إسترليني لكل طن من ثاني أكسيد الكربون – وهي طريقة رخيصة للتعويض، وبالطبع هذا أفضل من لا شيء، لكن هل يمكن إنفاق 25 مليون جنيه إسترليني -بشكل أكثر فعالية- على تطوير حلول إزالة الكربون للصناعة بأكملها”

وتضيف: “وهناك مشكلة أخرى تتمثل في أن حوالي 60٪ من جميع مخططات التعويض تتطلب أراضٍ لتعويض تأثير الكربون. وتقدر شركة شل أنه بالنسبة لقطاع الطاقة وحده، ستحتاج منطقة بحجم البرازيل إلى إعادة تشجيرها لتصل إلى صافي الصفر بحلول عام 2070. ولهذا بالطبع عدد من الآثار الاجتماعية، نظرًا لأن الناس قد يحتاجون إلى النزوح لتوفير مساحة لمثل هذه الزراعة على نطاق واسع”.

وفي السياق نفسه يقول إدريس الرفيع رئيس أبردين في منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا: “تعهدت العديد من الحكومات في المنطقة بالتزامات الوصول صافي الانبعاثات صفرًا Net Zero 2050 بحلول عام 2050، ووضعت رؤى رسمية مستدامة يجب على المؤسسات والشركات التوافق معها، وبالتالي يسير الجميع نحو تأسيس محرك واحد موحد نحو هدف الصفر انبعاثات. ومع التوجهات الرسمية، يلعب المستثمرون النشطون في منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا أيضًا دورًا مهمًا في تحدي مواءمة مشروعاتهم مع الأهداف الخاصة بالانبعاثات، من خلال التساؤل عن كيفية مراعاة الأهداف في عملية صنعهم لقرارات الاستثمار الرأسمالي”.

ويستطرد الرفيع: “من الضروري أن توضح الشركات كيف يتم تحقق أهدافها لخفض الانبعاثات لصفر بعمل تخفيضات فعلية للانبعاثات (النطاق 1 و2 و 3)، وجهدها المقابل الخاص بالانبعاثات السلبية وخطط التعويض الطوعية التي تقدمها، والأهم من ذلك، كيف تتوافق خطط الإنفاق الرأسمالي مع هذه الأهداف. وسيواجه المستثمرون في شركات ذات تعهدات فارغة أو خادعة مخاطر عدة تتعلق بالأصول والكربون والسمعة. فضلا على أن أكبر خطر للتعهدات الفارغة هو التأثير على كوكبنا والأجيال القادمة، فلا يمكننا الحد من ظاهرة الاحتباس الحراري بدون خطط عمل موثوقة. وإذا اعتقدنا أن شركة أو مؤسسة ما وضعت أهدافا غير ذات مصداقية، فيجب أن تحاسب من خلال المشاركة النشطة والتصويت “.

مقالات ذات صلة

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

زر الذهاب إلى الأعلى