ماذا وراء إنهاء الذهب لسلسلة مكاسبه الأسبوعية بعد وصوله لأعلى مستوياته وسط مخاوف من انهيار قادم؟
إشعال فتيل الحرب التجارية أبرز العوامل

محمود جمال باحث اقتصادي
أنهت أسعار الذهب العالمية سلسلة مكاسبه الأسبوعية امتدت 4 أسابيع متتالية، وشهد تقلبات حادة وتراجع بنسبة 2.55% بسبب توجه المستثمرين للبيع لتغطية خسائرهم من انهيار سوق الأسهم، حيث أدت الرسوم الجمركية التي فرضها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب إلى زعزعة استقرار التجارة العالمية، وتزايد مخاوف الركود الاقتصادي.
والمشكلة في أسعار الذهب حاليا في هذا الوضع المضطرب أن المستثمرون يبيعون الأصل الذي ارتفع أكثر وأصبحت تقيماته عالية لسببين رئيسيين:
•إعادة التوازن الميكانيكي للمحافظ: الصناديق والمستثمرون الكبار يحتاجون إلى تعديل تخصيصاتهم، والذهب بسبب ارتفاعه الكبير يصبح أول ما يتم بيعه.
•جمع السيولة بسرعة: حيث أنه عندما تسوء الأمور يحتاج المستثمرون إلى سيولة فورًا. والذهب، كونه أحد الأصول الأكثر سيولة والتي ارتفعت قيمتها، يصبح الخيار الأول لجمع النقد بسرعة.
وهذا النمط رأيناه خلال هذه التصفيات المضطربة، غالبًا ما يواجه الذهب موجات بيع مدفوعة بالسيولة في البداية. لكن انتظروا قليلًا… فهو عادةً ما يرتفع لاحقًا عندما تهدأ الأمور وتعود صفة الملاذ الآمن للظهور.
وماذا يعني هذا بالنسبة لكم إذا كنت تملك ذهبًا—أو تفكر في شرائه—فهذا الوضع بمثابة جرس إنذار. قد نشهد بعض الانخفاضات على المدى القصير بسبب موجات التصفية، لكن القصة طويلة الأمد للذهب قد تظل مشرقة.
وبعد الهدوء وجني الأرباح المتوقع في أسعاره قد تواصل أسعار الذهب العالمية تسجيل مستويات قياسية جديدة خلال العام 2025 ومن المتوقع وصول أسعار المعدن الأصفر إلى 3500 دولارًا للأوقية بحلول نهاية الربع الثالث من العام ذاته من تقديراته السابقة البالغة 2900 دولارًا والمقدرة من بنوك عالمية ك”يو بي إس” وغيره مدعوماً المخاوف بشأن القلق من النمو الاقتصادي وتبعات التوترات الجيوسياسية المستمرة بمنطقة الشرق الأوسط وضعف الدولار الأمريكي وتصاعد وزيادة الطلب من البنوك المركزية
يلاحظ أنه لأول مرة في التاريخ، اقترب الذهب من كسر حاجز 3100 دولار للأونصة لكن هذه القفزة ليست مجرد ارتفاع في سعر معدن ثمين لكنها إشارة حرجة لقرب سقوط الدولار في ظل عواصف الحرب التجارية.
وقد يعود الذهب يرتفع للمستويات القياسية رغم أن الفيدرالي أبقى أسعار الفائدة مرتفعة بين 4.25%-4.50%، بل ورفع توقعاته للتضخم في 2025 من 2.5% إلى 2.7%، بينما خفّض توقعاته للنمو من 2.1% إلى 1.7%.
وقد يتحسن الوضع لصالح الذهب إذا خفض الاحتياطي الفيدرالي أسعار الفائدة وهو الأمر المستبعد في الفترة الحالية مؤقتاً وهو الأمر الذي اذا حدث سيضعف الدولار ويزيد من جاذبية المعدن الأصفر لاسيما ومع استمرار البنوك المركزية في شراء الذهب بمستويات قياسية وبقاء مخاوف التضخم،
وبرأي على الرغم ما حدث قد تجد أسعار الذهب دعمًا قويًا خلال 2025 من 5 عوامل رئيسية مؤثرة:
1- مؤشر الدولار والعوائد الحقيقية: غالبا ما تضغط العوائد الحقيقية المرتفعة على أسعار الذهب، في حين يدعم ضعف الدولار الذي يعاني حالياً من أسوأ أداء شهري له منذ عام 2023 ارتفاع قيمة المعدن الأصفر.
2- مشتريات البنوك المركزية: ساهمت البنوك المركزية الكبرى في خلق طلب مستدام بغض النظر عن أسعار السوق.
3- الدين الأميركي والتضخم: قد يؤدي العجز المتزايد في الولايات المتحدة إلى تضخم أعلى، مما يعزز أسعار الذهب.
4- تدفقات الاستثمار في صناديق الذهب (ETFs): تشير التدفقات إلى صناديق الذهب إلى زيادة الطلب الاستثماري.
5- مفاجآت السوق: أحداث غير متوقعة، مثل هجمات سيبرانية كبيرة تدفع الأسعار إلى الارتفاع، في حين قد تؤدي تطورات تقنيات التعدين إلى زيادة العرض وخفض الأسعار.
لماذا ارتفع الذهب بقوة؟
في البداية لأن السوق ببساطة لا يصدق رواية الفيدرالي بأن التضخم “تحت السيطرة” حتى مع تحسن مؤشر مؤشر أسعار المستهلك (CPI) ليصل إلى 2.8% بدلًا من 2.9%.
في الحقيقة حالياً الذهب يقول شيئًا مختلفًا ويؤكد أن هناك موجة تضخم قادمة.
الفيدرالي يرى أن الحل لمشكلة التضخم هو إبطاء الاقتصاد.
لكن الحقيقة؟
التضخم نوعان: 1.تضخم نقدي (بسبب طباعة المال) ← هذا ما يُفترض أن يحاربه الفيدرالي.
2.تضخم غير نقدي (بسبب سلاسل الإمداد والحروب والسياسات) ← لا يمكن للفيدرالي السيطرة عليه
يجب الأخذ في الانتباه بأن هناك مؤشرات خطيرة تتزايد:
•مؤشر S&P 500 دخل تصحيحًا (انخفاض 10% من القمة الأخيرة).
•تفاؤل الشركات الأمريكية انخفض 28% منذ يناير الماضي.
•JPMorgan رفعت احتمال حدوث ركود إلى 40% (كان 15% في ديسمبر)
•نموذج GDPNow من الاحتياطي الفيدرالي في أتلانتا يتوقع انكماش الاقتصاد في الربع الأول 2025
ماذا يعني كل هذا؟
عندما يرتفع الذهب مع بقاء الفائدة مرتفعة، فذلك غالبًا إشارة أننا على بُعد 3-6 أشهر من انكماش اقتصادي بمعنى آخر أن الأسواق تقول “لا ثقة” في سياسة الفيدرالي النقدية.
الخلاصة:
•الذهب لا يكذب.
•ارتفاعه ليس دليلًا على قوة المعدن، بل ضعف في السياسات النقدية.
•التاريخ يخبرنا أن مثل هذا السيناريو غالبًا ما يُنذر بعاصفة تضخمية قادمة.
هل تستعد لها؟
السوق يرسل إشاراته بصوت واضح… لكن القليل من المستثمرين يستعدون لمواجهاتها وأظن أن العاصفة الأكثر قوة مما حدث بكورنا قادمة بالأسواق والمعدن الأصفر سيكون الفائز الأبرز في 2025.