جدوى للاستثمار: رفع ضريبة القيمة المضافة يؤدي إلى زيادة التضخم
الرياض – عبده المهدي
تشير أحدث بيانات الهيئة العامة للإحصاء حول التضخم والخاصة بشهر مايو، إلى زيادة معدل التضخم الشامل بنسبة 1,1 في المئة ، على أساس سنوي، وانخفاضه بنسبة 0,2 في المئة ، على أساس شهري، مقارنة بزيادة بنسبة 1,3 في المئة ، على أساس سنوي، (وانخفاض بنسبة 0,1 في المئة ، على أساس شهري) في أبريل. خلال الفترة من بداية العام وحتى مايو، بقي معدل التضخم مستقراً (بتغيير طفيف، عند -0,02 في المئة )، رغم تراجع الاستهلاك بسبب إجراءات الإغلاق المتعلقة بفيروس كوفيد-19 معظم فترات الربع الثاني.
بالنسبة لعام 2020 ككل، عدلنا توقعاتنا لمعدل التضخم إلى 3 في المئة ، مرتفعاً من 1,3 في المئة ، حسب توقعاتنا السابقة، بحيث تعكس تأثير الزيادة المخططة في ضريبة القيمة المضافة والتي يبدأ تطبيقها في يوليو 2020. كذلك عدلنا توقعاتنا لمعدل التضخم لعام 2021 إلى 3,2 في المئة ، مرتفعاً من 2,7 في المئة ، حسب تقديراتنا السابقة، لنفس السبب.
الفئات في مؤشر تكلفة المعيشة
ارتفعت الأسعار في فئة ”الأغذية والمشروبات“ بنسبة 4,9 في المئة ، خلال الفترة من بداية العام وحتى مايو، مدفوعة بارتفاع الاستهلاك المنزلي من المنتجات الغذائية خلال فترة الإغلاق، وكذلك الارتفاع المعتاد للاستهلاك خلال شهر رمضان المبارك (والذي بدأ في 24 أبريل). نتيجة لذلك، اتخذت أسعار الأغذية والمشروبات في المملكة مساراً صاعداً، على عكس مسار أسعار الأغذية العالمية، حيث تراجع مؤشر منظمة الزراعة والأغذية العالمية (الفاو) في الأشهر الأخيرة نتيجة لزيادة المخزونات وضعف الطلب على الواردات في مختلف أنحاء العالم.
تراجعت الأسعار في فئة ”السكن والمياه والكهرباء والغاز“ بنسبة 0,7 في المئة ، خلال الفترة من بداية العام وحتى مايو، حيث واصلت الفئة الفرعية ”إيجارات المساكن“ مسارها النازل. ونعتقد أن هذا المسار يعود إلي تطورين: 1) الزيادة الكبيرة في إمدادات المساكن ضمن برنامج ”سكني“ الذي تنفذه وزارة الإسكان، مما شجع المواطنين على الإحجام عن استئجار العقارات؛ 2) التراجع في عدد الأجانب وعائلاتهم، حيث تشير بيانات التأمين الصحي الخاص إلى مغادرة ما يزيد قليلاً عن نصف مليون من الأجانب وعائلاتهم منذ بداية العام. بالنظر إلى المستقبل، يتوقع أن تسجل إيجارات المساكن المزيد من التراجع، متأثرةً باستمرار العاملين المذكورين أعلاه. لا تزال أمام برنامج ”سكني“ نحو 44 في المئة من إجمالي الوحدات السكنية المستهدفة وعددها 100 ألف، والتي يفترض أن يتم تنفيذها خلال عام 2020، إضافة إلى أننا نتوقع، كما أشرنا إلى ذلك مؤخراً، مغادرة 1,2 مليون أجنبي خلال عام 2020 ككل (هذا العدد لا يتضمن عائلات الأجانب)، وسيشكل هذان العاملان ضغطاً على أسعار الإيجارات خلال العام (للمزيد حول هذا الموضوع، الرجاء الاطلاع على أحدث تقرير لنا بشأن تطورات سوق العمل
تراجعت الأسعار في فئة ”النقل“ خلال الفترة من بداية العام وحتى مايو بنسبة 5,8 في المئة ، متأثرة بصورة رئيسية بهبوط أسعار البنزين، التي تعكس التراجع الحاد في أسعار البنزين العالمية خلال نفس الفترة، وقد تراجعت الأسعار في الفئة الفرعية ”الوقود وزيوت التشحيم للنقل والمعدات“ بنسبة 34 في المئة خلال الفترة من بداية العام حتى مايو.
رفع ضريبة القيمة المضافة ابتداءً من يوليو 2020
أعلنت وزارة المالية في مطلع مايو، ضمن مجموعة من الإجراءات التقشفية، عن زيادة في ضريبة القيمة المضافة من 5 في المئة إلى 15 في المئة ابتداءً من يوليو 2020. نتيجة لذلك، وبطريقة مشابهة للمسار الذي شهدناه عند تطبيق الزيادة الأولى في يناير 2018، نتوقع أن نشهد زيادة في الاستهلاك خلال شهري مايو ويونيو 2020، قبيل تطبيق الزيادة الثانية لضريبة القيمة المضافة في يوليو.
ضريبة القيمة المضافة 2018 وضريبة القيمة المضافة 2020
شهد تطبيق ارتفاع ضريبة القيمة المضافة بنسبة 5 في المئة في يناير 2018، زيادة الاستهلاك في الربع الرابع لعام 2017، خاصة في ديسمبر 2017 . بطريقة مشابهة، كما أشرنا في أحدث تقرير لنا بعنوان الموجز البياني للاقتصاد السعودي- يونيو 2020، نتوقع أن نشهد زيادة مماثلة في الاستهلاك، خاصة في قطاعات معينة، كالتعليم، والمرافق العامة، والمجوهرات، والأثاث، والالكترونيات. وفي الواقع، تشير أحدث البيانات الأسبوعية من ”ساما“، إلى زيادة في تعاملات نقاط البيع في العديد من القطاعات خلال الأسابيع الثلاثة الأولى من شهر يونيو، وقد تعاظمت هذه الزيادة أيضاً بسبب تخفيف إجراءات الإغلاق.
ولتلبية الزيادة في الطلب على السلع والخدمات التي حدثت عام 2017، هناك عدد من البنود سجل زيادة في الواردات خلال الربع الثاني لعام 2017، كالسيارات، والأغذية، ومنتجات المنسوجات، وكذلك تجسدت زيادة الواردات من خلال زيادة عدد خطابات الاعتماد. على سبيل المثال، ارتفعت خطابات الاعتماد الجديدة لاستيراد السيارات بنسبة 105 في المئة ، على أساس سنوي، في يوليو 2017، أي قبل خمسة شهور من موعد تطبيق ضريبة القيمة المضافة في يناير 2018. لكن، لا نتوقع أن تكون الزيادة الحالية في ضريبة القيمة المضافة مصحوبة بزيادة مشابهة في الواردات، وذلك لسببين رئيسيين. أولاً، أدى تفشي جائحة كوفيد-19 وعمليات الإغلاق التي صاحبته حول العالم، إلى إرباك سلاسل الإمداد العالمية، حيث شهدت الأشهر القليلة الماضية انخفاض كبير في مستويات التجارة العالمية. ثانياً، قِصَر المدة الزمنية بين الإعلان عن الزيادة الثانية (10 مايو) وموعد التطبيق (1 يوليو)، لن يتيح وقتاً كافياً لاستيراد قدر وافر من السلع قبيل تطبيق الزيادة. وجدير بالذكر، أن الجولة الأولى من زيادة ضريبة القيمة المضافة، كان قد تم الإعلان عنها قبل أكثر من عام من موعد التطبيق. والحال كذلك، نتوقع أن يبيع تجار التجزئة معظم مخزوناتهم (وتكملتها ببعض الواردات)، خاصة وأن أبريل شهد تراجعاً كبيراً في المبيعات والإنفاق الاستهلاكي.
الإنفاق الاستهلاكي
رغم التراجع الكبير في أبريل، جاء النمو السنوي في تعاملات نقاط البيع خلال الفترة من بداية العام وحتى يونيو (الأسبوع الثالث من يونيو)، أعلى بنسبة 9 في المئة ، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي. لقد أدى ارتفاع تعاملات نقاط البيع في كل من محطات الوقود (540 في المئة ) والأغذية والمشروبات (68 في المئة )، مقارنة بنفس الفترة من العام الماضي، إلى دعم النمو خلال العام الحالي، رغم الإغلاق خلال معظم الربع الثاني.
وبصورة أكثر تحديداً، شهدت تعاملات نقاط البيع في ”الأغذية والمشروبات“ زيادة كبيرة خلال مارس وأبريل، نتيجة لارتفاع الطلب على شراء الأغذية بالتجزئة خلال فترة الإغلاق، إضافة إلى الزيادة المعتادة في استهلاك الأغذية خلال رمضان المبارك، والذي بدأ في 24 أبريل. من ناحية أخرى، نلاحظ أن الزيادة في تعاملات نقاط البيع في محطات الوقود كانت واضحة خلال الأسبوع الأول من يونيو، نتيجة لتخفيف قيود الإغلاق بدرجة كبيرة في معظم أنحاء المملكة، إضافة إلى حقيقة أن أسعار البنزين عكست الأسعار العالمية المنخفضة.
لكن، تجدر الإشارة إلى أن النمو في تعاملات نقاط البيع يرجح أن يكون قد تعاظم نتيجة لتشجيع الأشخاص لاستخدام طرق الدفع غير النقدية خلال الجائحة، كجزء من الإجراءات الاحترازية لمكافحة جائحة كوفيد-19. والحال كذلك، فإن الزيادة في تعاملات نقاط البيع في العديد من القطاعات ربما تكون نتيجة لهذا الاتجاه في الشهور الأخيرة، خاصة القطاعات التي ارتبطت عادة بالدفع النقدي، كمحطات الوقود.
التوقعات المستقبلية
بالنظر إلى المستقبل، رغم ارتفاع الإنفاق الاستهلاكي في مايو وكذلك يونيو على الأرجح (وفقاً لبيانات جزئية لشهر يونيو)، نتوقع أن يميل هذا الإنفاق إلى التراجع في يوليو ويبقى منخفضاً حتى نهاية العام. رغم التخفيف التدريجي لعملية الإغلاق، هناك بعض القطاعات لا يزال من غير المتوقع أن تصل إلى طاقتها القصوى في الربع الثالث، خاصة قطاعات: السفر، والفنادق والمطاعم، والسياحة والترفيه، مما يحد من أي زيادات كبيرة في الإنفاق. علاوة على ذلك، كما أشرنا إلى ذلك مؤخراً، نتوقع مغادرة 1,2 مليون أجنبي خلال عام 2020 ككل (هذا العدد لا يتضمن عائلات الأجانب)، مما يشكل ضغطاً على الاستهلاك خلال العام.
فيما يتعلق بالأسعار، نتوقع أن يعمد أصحاب الأعمال إلى خفض أسعار منتجاتهم لمواجهة المستويات المنخفضة للطلب. إضافة إلى ذلك، أيضاً نتوقع أن يكون تأثير زيادة التعرفة الجمركية التي تم إقرارها مؤخراً بالنسبة لعدد من السلع المستوردة على الأسعار مجرد تأثير هامشي، حيث أن معظم البنود المتأثرة تقع ضمن مواد البناء.
كذلك، نتوقع أن تشهد فئة ”السكن والكهرباء والمياه والغاز“ ضغوطاً انكماشية، بسبب تأثر الفئة الفرعية ”إيجارات المساكن“ باستمرار مغادرة الأجانب (وعائلاتهم)، إضافة إلى ارتفاع معدل ملكية المساكن نتيجة للدعم الذي يقدمه برنامج ”سكني“ (شكل 8). وبما أنه تم رفع وزن فئة ”السكن والكهرباء والمياه والغاز“ في مؤشر تكلفة المعيشة، بموجب التعديل الذي أجرته مؤخراً الهيئة العامة للإحصاء، فإن التضخم الكلي سيكون على الأرجح حساساً تجاه التغييرات في هذه الفئة.
أخيراً، يتوقع أن تميل الأسعار في فئة ”النقل“ إلى الانخفاض مقارنة بمستواها العام الماضي، متأثرةً بانخفاض الأسعار العالمية للبنزين، مما سيكون له أيضاً تأثير أكبر على المعدل الكلي للتضخم، حيث تمت زيادة وزن هذه الفئة أيضاً في التعديل الأخير.
إجمالاً، عدلنا توقعاتنا لمعدل التضخم برفعه من 1,3 في المئة إلى 3 في المئة لعام 2020، ومن 2,7 في المئة إلى 3,2 في المئة لعام 2021، نتيجة للزيادة في ضريبة القيمة المضافة المخططة منتصف عام 2020. ويأتي هذا الرفع نتيجة لتوقعاتنا بقفزة واحدة في التضخم في يوليو، بنحو 5,7 في المئة ، على أساس سنوي، تليها تراجعات، على أساس شهري، حتى نهاية العام، سببها تباطؤ الاستهلاك في النصف الثاني من العام، ويحتمل أن يعمد أصحاب الأعمال وتجار التجزئة إلى خفض أسعارهم النهائية، وفي بعض الحالات، امتصاص جزء من زيادات ضريبة القيمة المضافة في المدى القصير.