الابتكار المتسلسل يعزز القدرة على التعافي من آثار الأزمات

دبي – صحيفة المؤشر الاقتصادي
كشف تقرير صدر عن مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب بعنوان “الشركات الأكثر ابتكاراً في عام 2020” أن الشركات القادرة على الابتكار حققت عوائداً ممتازة على حقوق المساهمين منذ الكساد الكبير إلى الأزمة الحالية، إلا أن عدداً قليلاً من الشركات أظهرت قدرتها على إدارة الابتكار التسلسلي بنجاح.
يؤدي تركيز الشركات العالمية على الابتكار إلى تفوق أدائها، إلا أن استدامة هذا التفوق في الإداء لا يتحقق إلا بالإدارة الناجحة للابتكار التسلسلي. وكانت الشركات التي أدرجتها مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب في عام 2017 على قائمة “أفضل 50 شركة مبتكرة” قد أظهرت تفوقاً في عائد المساهمين بنسبة 5.6٪ سنويًا على مدى السنوات التي أعقبت الأزمة المالية في 2008 حتى نهاية عام 2019. ولكن حتى أكثر الشركات ابتكارًا تجد صعوبة في الحفاظ على استمرارية الابتكار – إذ نجحت فقط ثماني شركات في البقاء على قائمة أفضل 50 شركة على مدى 14 عامًا منذ بدأت بوسطن كونسلتينج جروب بإعداد هذا التصنيف.

وفي تقرير بوسطن كونسلتنيج جروب الجديد عن الشركات الأكثر ابتكاراً في عام 2020 وعنوانه”أهمية الابتكار المتسلسل” – ركّز المؤلف على متطلبات استدامة تفوق الأداء على المدى الطويل. وخلص التقرير إلى أن استدامة التفوق يتطلب وضع استراتيجية ابتكار واضحة ورفدها بالاستثمارات المناسبة والاستفادة من مزايا الحجم وضمان أن نظام الابتكار يتصف بالمرونة والذكاء كيّ يتمكن من رصد أفضل الفرص واغتنامها بسرعة ودون تردد – سواء كانت هذه الفرص تلوح في مجال عمل الشركة أو في مجالات مجاورة أو بعيدة.
ووفقًا لنتائج التقرير، يرى 63% من المديرين التنفيذيين البارزين في الشرق الأوسط وأفريقيا الابتكار من الأولويات الحالية والمستقبلية. ومع أن جائحة كوفيد – 19، قد عرقلت الاقتصادي العالمي، إلا أن الفرصة لا تزال ماثلة أمام منطقة الشرق الأوسط وأفريقيا لتصبح المنطقة منافسًا قويًا للأسواق الأخرى.
ويعقّب رامي رفيق، مدير مفوّض وشريك في بوسطن كونسلتنيج جروب الشرق الأوسط: “تحتلّ المواد الكيميائية والسلع الاستهلاكية والسلع المعمرة صدارة جهود الابتكار في الشرق الأوسط وأفريقيا”. ويضيف قائلاً: “على الرغم من عدم الاستقرار الذي يسيطر على الوضع التجاري في الوقت الحاضر، فقد وجدنا أن عددًا كبيرًا من المديرين التنفيذيين في المنطقة حريصون على الابتكار ويبدون التزامًا متواصلاً بهذا النهج. ويمكن تعزيز محفظة أفضل الممارسات في المنطقة عن طريق التطبيق الحصيف للابتكار – بما يحقق القيمة والربحية في نفس الوقت. “
وكانت مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب قد أجرت دارسة تقرير 2020 قبل جائحة كوفيد -19. ومع ذلك، فإن النتائج الرئيسية في تقرير هذا العام – التي تسلط الضوء على مزايا الحجم وضرورة الابتكار المتسلسل – لا تزال لها أهميتها في أجواء اليوم، إذ يحتاج قادة إلى الابتكار من أجل التكيف بسرعة مع التغير في أنماط العرض والطلب وسلوك المستهلك وطرق ممارسة الأعمال. وتعتمد دراسة بوسطن كونسلتينج جروب على الاستبيان السنوي الذي يشارك فيه أكثر من 2500 مديرًا تنفيذيًا عالميًا وتدور أسئلته حول اتجاهات الابتكار وقاعدة بيانات المجموعة حول أداء الابتكار العالمي في أكثر من 1000 شركة.
اختراق الصناعات الأخرى
يكشف تقرير هذا العام عن نمط جديد ومدهش: فمقارنةً بعام 2015 وعند السؤال عن الشركات الأكثر ابتكارًا في مجال عمل الشركة المشاركة في الاستبيان، ذكر عدد أكبر من المستجيبين شركات ترتبط بمجال يختلف عن مجال عملهم، فعلى سبيل المثال ورد اسم Amazon كرائدة في الابتكار في الرعاية الصحية وAlibaba كرائدة في الابتكار في الخدمات المالية.
ومع أن اختراق الحدود إلى مجالات غير مجالات عمل الشركة هو أمر ليس بالجديد (وتعدّ شركة M3 من الأمثلة البارزة)، ولكن في عالم اليوم الذي أصبحت فيه كل صناعة هي صناعة تقوم على التكنولوجيا إلى حد ما، بات هذا النوع من الابتكار من القدرات التي تشهد أهمية متزايدة. وبالمقارنة بعام 2016، شهد حجم النشاط العابر للقطاعات زيادة كبيرة وصلت إلى 20٪. وتأتي شركات البرمجيات والخدمات من بين الشركات الأكثر دخولاً إلى قطاعات أخرى، وتؤدي شركات صناعة السيارات وشركات الصناعات الكيميائية وتجارة التجزئة والصناعات التحويلية في كثير من الأحيان دوراً في تهيئة بيئات اختبار النظم الحاسوبية في شركات تنشط في مجالات أخرى لأنها تدرك الفرص القائمة في نماذج الأعمال الجديدة التي تعتمد على التكنولوجيا وتدفق الإيرادات خارج أنشطتها الأساسية.
وتشير البيانات إلى أن الشركات التي نجحت في اعتماد نظم أعادت معها تصميم طريقة تنفيذ أعمالها قد حققت زيادة في العائد على حقوق المساهمين وصلت إلى 2.7 نقطة مئوية في الفترة ما بين 2016 إلى 2019 مقارنة مع الشركات التي ركزت على حماية مجالات عملها والاحتفاظ بها.
تحقيق القيمة الأكبر
ومع أن الأغلبية ترى الحجم عائقًا أمام تحقيق الابتكار، كشفت نتائج تقرير بوسطن كونسلتينج جروب أن 40% من الشركات الكبرى (تحقق إيرادات بقيمة مليار دولار أو أكثر) التي شملها تقرير عام 2020 نجحت في التغلب على العائقين التي يراهما الأغلبية عقبة أمام الابتكار وهما الافتقار إلى الانضباط في تخصيص الموارد وصعوبة توحيد صفوف المؤسسة وراء استراتيجية الابتكار. وتمكنت هذه الشركات من تسجيل حجم مبيعات خلال السنوات الثلاث الماضية يفوق متوسط مبيعات الشركات العاملة في نفس المجال.
وبالمقارنة، نجحت 50٪ من الشركات الأصغر التي شملها الاستبيان في تخطّي هذين العائقين. وفي حين أن المتوقع هو تفوق الشركات الأصغر على الشركات الكبيرة، إلا أن الفرق بين نتائج الشركات الصغيرة والشركات الكبيرة هو فرق صغير وليس ذو دلالة إحصائية.
وعند المقارنة بين النظراء من الشركات الكبيرة، تبيّن أن المبتكرين الذين يتفوقون في الأداء يستثمرون مبالغ أكبر في برامج الابتكار – 1.4 ضعفًا كنسبة مئوية من المبيعات – ويحصدون عوائد أكبر بكثير: تصل إلى أربعة أضعاف نسبة المبيعات.
وفي هذا الصدد يقول ماتياس كرولر، المدير المفّوض والشريك في مجموعة بوسطن كونسلتينج جروب والمشارك في إعداد التقرير: “إن أنجح الشركات الكبيرة في الابتكار هي الشركات التي تلتزم باستراتيجيات الابتكار التسلسلي وتضع تصنيفًا لعوامل النجاح”. ويضيف قائلاً “وكما تضع الشركات التي تنتهج الاستحواذ المتسلسل نظام الدمج والاستحواذ الفعال في أنظمة الإدارة الخاصة بها، يدرك المبتكرون المتسلسلون أن النجاح يعتمد على جميع جوانب الابتكار التي تعمل معًا لتحقيق هدف مشترك – توليد سلسلة مستمرة من المنتجات أو الخدمات الجديدة التي لها تأثير في السوق. “